“أويما” كلمة تعني حفر النقوش والرسومات على الخشب، مجموعة فنون حرفية تقوم بها الأيدي الماهرة لتحويل الخشب إلى فنون جميلة تبوح بقصص الحياة، ولعل الجدران الخشبية لمنازل البيوت الدمشقية العريقة توحي بقدم تلك الصناعة ومدى عناية وتفنن النجارين الدمشقيين فيها.
لا شك أن الحرب السورية من قريب أو بعيد أثرت على كافة مجالات الحياة الاجتماعية الفكرية والاقتصادية، ومهنة الحفر على الخشب أيضاً عانت من الصعوبات لكنها بالمقابل حافظت على أصولها التاريخية ولا يزال يقام سنوياً ملتقى النحت على الخشب في قلعة دمشق، فضلاً عن المعارض الفنية التي بدورها تحاول إضافة كل ما هو جديد عليها لتواكب المهن الصناعية الجديدة وتكون بمثابة فرصة ذهبية للنهوض بأعمال الحرفيين الشباب المتحمسين للعمل بها.
إن الخشب المستعمل في صناعتها متعدد الأنواع ومنها (الحور والجوز والزيتون والشربين والميص والعرعر والدردار والصندل والصنوبر والسرو)، ومنه يصنع الأثاث المزخرف و المناضد والمقاعد والكراسي والصناديق وبعض الآلات الموسيقية كالعود والدف، والإيقاع وفي حلب ودمشق بالقرنيين الماضيين حتى المنازل والقصور تجهز بأكثرها من الخشب، أما أدوات صناعتها إلى الآن هي يدوية بسيطة جداً مقتصرة على مطرقة وأزميل لحفر الخشب، والغراء لتثبيت القطع.
أحمد عبد الحق عامل في مهنة الحفر على الخشب قال لموقع سوريا:” القطعة الواحدة تستغرق معنا يومين أو ثلاثة، غرف النوم تستغرق وسطياً شهرين أو أكثر حسب التقنية المستخدمة فيها، أما القطع الصغيرة فنعمل بها في أوقات الفراغ أو حسب الطلب، وإننا لا نكتفي بالاعتماد على أخشاب الشام فقط، بل نستورد الأخشاب من مناطق أخرى، مثل “قلقيلية ورومانيا”.
إن أكثر ما يواجهه حرفيو تلك المهنة والتي يعتبرونها مصدر رزق لهم حالياً هو غلاء أسعار الأخشاب المستعملة وتراجع نسبة شرائها لأن السياح هم أكبر فئة مقتنية للقطع الخشبية المحفورة وقل تواجدهم في سوريا بعد تردي الأوضاع الأمنية في ظل الحرب السورية.
أبو ماهر من مدينة حلب أحد المولعين بالأنتيكا الخشبية والخبير بكل تفصيل بها يقول:” أنا أفضل القطع المنحوتة سطحياً بالطريقة العربية المستمدة من الفاطميين والمملوكيين والمخطوطة باللغة العربية الإسلامية أكثر من النحت الإفرنجي العميق المتضمن الفرنسي مع الإنكليزي”.
هناك ما يسمى عملية تطعيم الخشب بالصدف الذي يعطيها لوناً فضياً وكأنها مرصعة بالفضة وهو الذي يجعل القطعة منها مضاعفة الثمن وتكون أغلبها للزينة و”الصمد” وليست للاستعمال ويوجد منها مساند، مجالس عربية، براويظ للمرايا، حتى هنالك أدوات منزلية خشبية وأبرز عمل خشبي مشهور في دمشق ” قبقاب الخشب ” وهو مصطلح شامي أصيل.
وفي تقرير بثته قناة سورية الفضائية ظهر فيه رجل مسن بالعمر اتخذ من الحفر على الخشب مهنة له قائلاً:” لو تكرر العمر مرة ثانية لاخترتها لمحبتي الزائدة بها، ووددت لو أني أستطع توريثها لأولادي لكن عملها شاق ويستغرق عدة ساعات ويجب على من يمارسها أن يتفنن وفق مخيلته بقطعها، وهي مهنة منتشرة بكثرة في حيي باب توما وباب الشرقي التقليديين.”
إرث سوري باق طالما أن الشعب السوري هو من أتقنه بأدق تفاصيله وأراد أن يصل بصداه إلى خارج حدود سوريا، ليظل رمزاً أثرياً شاهد على أصالة الفنون والمهارات المهنية اليدوية التي حاكت برسومها كل من أدرك عظمتها.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن