“لماذا ملأت هذا الإناء يا رضوان ؟
-لألعب به في المكان الذي سنذهب إليه، أخاف ألا أجد التراب هناك !”
هذا ما تذكرته عبير عن كلام رضوان الصغير قبل نزوح أهالي المعرة عام ٢٠١٩ في معركتها الشهيرة.
كلمات رضوان كانت رداً على سؤال أمه التي استغربت وهي تجهز الحاجات الأساسية لأسرتها قبل رحلة المجهول.
ملأ رضوان إناءً بتراب منزله قبل أن يرحل مودعا مرتع طفولته المبكرة. رضوان ابن الثماني سنوات رغم أن كلماته وقتها أثارت ضحكنا كما تذكر عبير أخته الكبرى ذات العشر أعوام حالياً، إلا أنها الآن تحمل ألف غصة ودمعة!
رضوان ببراءة قلبه الذي شعر بأنه الوداع الأخير توفي بعدها بعامين في أغسطس ٢٠٢١ بحادث سير مروع مع والدته ووالده، لم يبق سوى عبير ومحمد يتجرعون مرارة الفقد واليتم.
هكذا روت لنا عبير معاناتها وهي لا تذكر من ذلك اليوم سوى أن رضوان أتى راكضاً سعيداً “عبير يا عبير أتى أبي سنذهب معه إلى بيت جدي “.
لكن عبير لم تستيقظ في بيت جدها، بل بعد ثلاثة أيام وهي عاجزة عن الحركة والكلام.
حاولتُ الصراخ أمي….أمي……أنا هنا …..لكن صوتي كان محبوساً، حاولت التعبير بلا جدوى لم أفهم، ما الذي حدث !!
لم يكن بجانبي سوى أخي الصغير محمد ولم يكن في حال أفضل مني .
دارت في رأسي ملايين الأسئلة وأنا أبحث عن أمي وأبي ورضوان.
مالي لا أرى غير محمد أين البقية؟! أردت أن أسأل خالتي التي رافقتني في المشفى دون جدوى.
إلا أنني لم ألبث طويلاً حتى عرفت أن حياتي انقلبت رأساً على عقب.
هذا ما وصفته لنا عبير التي خضعت لعلاج طويل مكثف كان من المتوقع قبلها ألا تستطيع الحركة، لكن نجاتها وقدرتها على المشي بعد الحادث كان أحد المعجزات كما وصف الأطباء المشرفون .
حزن عبير يشبه حزن الشمس وقد فقدت وهجها وانطفأت قبل أن تعرف أرضاً لنورها.
أما محمد “ستة أعوام” كانت ردت فعله الأغرب أن أضرب عن الطعام والكلام داخل غرفة العناية “أريد أمي .. أريد أبي..”!
أين رضوان ؟!! هذا ما كان يردده قبل أن يعلن إضرابه عندما لم يجد جواباً لأسئلته!
هذا ما قُدِّر لعبير ومحمد ، جرحهم كبير وفقدهم أكبر لكن الله أرحم من الجميع ، ومن حكمته أن أدرك الطفلان أن الحياة مستمرة رغم كل شيء. الآن مضى عام ونصف على الحادثة وعبير تصف حياتها الجديدة المستقرة رغم غصة الألم التي استوطنت بالقلب “عدت لمدرستي …عدت لحياتي.
أنا وأخي نعيش مع خالتي التي عوضتنا عن حنان أمنا، وجدٌ وجدةٌ أعطيانا أمانا كبيرا …وخال كان لنا كأبينا.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/603403098034883
“نحن بالنهاية محظوظون فكم من أطفال في مثل ظروفنا لم يجدوا حضناً دافئاً يضمهم، الحمد لله على كل حال”، هذا ما قالته عبير وهي تكفكف بيدها دموعها وتمسح بها على أوجاعها!
قصة خبرية/ رحاب الرحمون