اختيرت الفتاة الكردية السورية نوجين مصطفى التي تعود أصولها لمدينة كوباني الشهيرة بريف حلب شمال سوريا من قبل الأمم المتحدة، لإلقاء الكلمة الافتتاحية في جلسة العام القادم 2017 للمنظمة الدولية.
لكن الفتاة السورية الكردية المقعدة لم يتبين بعد إن كانت تستطيع الحضور لنيويورك أم لا بحكم عدم حصولها بعد على إقامة تسمح لها بالسفر من ألمانيا التي وصلتها عقب رحلة لجوء طويلة.
نوجين فتاة من مواليد مدينة منبج بريف حلب 1999، تعاني من شللٍ دماغي منذ ولادتها، سبّب لها خللاً في التوازن الحركي في عضلات ساقيها.
برغم ذلك فهي تتقن اللغة الإنكليزية التي اكتسبتها من متابعة مسلسلٍ أميركي.
قتلوا من أحبته
وتقول نوجين أنها كانت تستيقظ كل يوم صباحاً لمتابعة المسلسل الأميركي، لكنها حزنت كثيراً عندما قتلوا الشخصية التي أحبتها في المسلسل وهي شخصية “إي جي”.
قصة نوجين لاقت اهتمام الممثل الكوميدي ومقدّم أحد البرامج التلفزيونية جون أوليفر الذي خصّص إحدى حلقات برنامجه “The last week tonight” الذي يعرض على قناة “HBO” الأميركية، للحديث عن قصة فتاة كوباني، موجهاً سؤالاً للدول الغربية “كيف لا تستطيعون جلب فتاة مثل نوجين تحمل أفكارنا إلى بلدكم؟”.
وقبل اختتام البرنامج خاطب أوليفر نوجين قائلاً “لدينا مفاجأة من أجلك” ، ثم قام بتقديم مشهدٍ خاص تعود خلاله الشخصية المفضلة لـ نوجين في المسلسل وهي شخصية “إي جي ديميرا” التي يجسدها الممثل جيمس سكوت، من الموت ليجتمع من جديد بحبيبته السابقة.
وقال الممثل العائد في المشهد لحبيبته الممثلة أليسون سويني “إن العودة من الموت ليست صعبة. هل تعلمين ما هو أصعب؟ إنه القدوم من سوريا إلى ألمانيا”.
فتجيب الممثلة وهل شاهدت كل ما يعانيه هؤلاء المهاجرون فيبتسم ويقول قرأت ذلك عن فتاةٍ رائعة تبلغ من العمر 16 عاماً تدعى نوجين مصطفى.
كرسي متحرك
تعيش “نوجين” في ولاية دورتموند في ألمانيا حالياً، وصلت بعد رحلة بدأت من تركيا، اجتازت فيها مع بعض أفراد أسرتها آلاف الكيلومترات، والكثير من الحدود، لم تخلُ من المشقة والتعب وهي تسير بكرسيها المتحرك.
رحلة نوجين حققت لها الكثير من الشهرة، حيث باتت محطّ اهتمام الصحافة العالمية التي غطّت هجرة السوريين. بل أكثر من ذلك عندما حقق لها الممثل الأميركي حلمها بإعادة مشهد من مسلسل تابعته نوجين يعود فيه البطل بعد موته.
الطريق إلى الشهرة
أثناء رحلة نوجين إلى أوروبا ضمن هجرة آلاف السوريين إلى أوروبا صيف عام 2015، والتي كان محط أنظار الصحافة العالمية، التقت نوجين بطاقم مراسلي فريق الـ”BBC” البريطانية في العاصمة اليونانية أثينا.
لم يلق الصحافيون صعوبة بالتواصل مع نوجين التي تتقن الإنكليزية بشكل جيد، فهي لا تحتاج لمترجمين.
تقول نوجين مصطفى لـ”هافينغتون بوست عربي” إن إتقانها للغة الإنكليزية يعود إلى متابعتها وهي صغيرة المسلسل الأميركي (دايز أوف أور لايفز) “أيام حياتنا”، للكاتبة “ماليسا ساليمونز”.
أحد الصحافيين البريطانيين خصص وقته الكامل لـ”نوجين” خلال رحلتها من أثينا إلى المانيا، لتقديمها كمثال حي على آلام الهجرة ومتاعبها والحرب التي يهرب منها السوريون.
وتقول نوجين إن الصحافيين تابعوا رحلتها وسفرها، حتى بات الاهتمام بها خبراً تداولته الصحافة العالمية.
سرّ وصولها للعالمية
وصولها إلى العالمية واهتمام المجتمع الدولي بها له أسبابه التي يرويها شقيقها شيار “إن سر دخول نوجين إلى قلب المجتمع الدولي هو تفاؤل نوجين الدائم، لديها أمل دائم بالمستقبل، فهي لا تنظر إلى أن حالتها وإعاقتها يجب أن تبعدها عن الإبداع، فهي متفائلة دوماً والابتسامة لا تفارقها، وترى وجوب التغلب على مصاعب الحياة “.
حياة التنقّل
رحلة الحياة الأولى لـ”نوجين” بدأت في الداخل السوري، عندما قرّر أهلها وهي طفلة، الانتقال من مدينة “كوباني” إلى “منبج” بريف حلب، بحكم أن الأخيرة تعتبر مدينة أكبر وفيها مجالات أكثر للعمل والحياة، قبل أن تقرّر العائلة الانتقال إلى مدينة حلب لهدفين كما تروي “نوجين” لـ”هافينغتون بوست عربي”، أحدهما لإمكان معالجتها في حلب، والآخر بسبب دراسة أخوتها الجامعية.
مع اشتداد الأحداث في سوريا بعد الحرب انتقلت العائلة مجدداً في هجرة عكسية إلى منبج لكن مع اقتراب داعش من المدينة قررت العائلة الانتقال إلى “كوباني”.
لكن لم يطيلوا البقاء في كوباني، فمع هجوم داعش على المدينة أواخر عام 2014 اضطرت العائلة للنزوح إلى تركيا.
يقول “شيار” شقيق “نوجين” وهو مخرج سينمائي مقيم في ألمانيا لـ”هافينغتون بوست عربي”، أنه طلب من أسرته النزوح إلى تركيا، والاستقرار في مدينة غازي عنتاب.
“بعدها بمدة طلبت منهم اللجوء إلى أوروبا وأن تكون نوجين معهم أيضاً، فقاموا بذلك وكنت بانتظارهم في العاصمة اليونانية أثينا في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 لاستكمال الطريق إلى ألمانيا”.
ويرجع شيار طلبه من أهله اللجوء إلى أوروبا لفقدان الأمل بالعودة إلى سوريا، والبحث عن موطن استقرارٍ جديد لهم.
كتاب عن حياتها
شهرة نوجين استمرت فاختارتها الكاتبة البريطانية الشهيرة كريتسينا لامب بطلةً لكتابها الجديد، بعد أن تعرّفت عليها عن طريق مؤسسة الـ”BBC” بحسب “شيار” الذي قال: “التقت كريستينا بنوجين وعرفتها عن قرب، وبقيت معها فترةً، وخرجت الكاتبة التي تبحث عن قصص وروايات قريبة من هذه بفكرة كتاب عن نوجين، ستتخلله قصة حياة نوجين وشخصيتها كفتاة كردية هربت من الحرب”.
وهكذا أصبحت نوجين بطلة الموسم لعام 2016. يقول شيار “إن الكتاب الذي سيكون جزءٌ منه مخصصاً للحديث عن حرب كوباني بين الأكراد وداعش وسيصدر في شهر ديسمبر/ أيلول 2016 عن إحدى أكبر خمس شركات نشر في العالم، مقرها مدينة “نيويورك”، باسم “هاربر كزلنز”، وسيوزع الكتاب بتسع لغات كرواية وقصة عن حياة الفتاة نوجين”.
كريستينا مؤلفة كتب ترجمت العديد من القصص الواقعية، من بينها رواية عن الفتاة الباكستانية “ملالا” الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.
رحلة المشقة السورية
يقول شيار أن عائلتهم عاشت ظروفاً اقتصادية صعبة، لكن كانت العائلة دوماً تصر على أن تتأقلم مع أي مكان يكون لنوجين فيه حياة وإمكانية توفير الدراسة لها والاعتناء بها. فالانتقال إلى حلب على حد وصفه كي تكمل نوجين دراستها ومعالجتها، “قرار الهجرة براً برغم مخاطرته جاء لكي يكون لنوجين حياة جديدة في بلاد تستطيع الاهتمام بها، ولم نكن نتوقع أن تشتهر في هذه المدة الزمنية القصيرة”.
خلال تواجد نوجين في تركيا ومع بدء التفكير في اللجوء إلى أوروبا بدأت تتعلم اللغة الألمانية عبر الإنترنت.
وتقول لـ”هافينغتون بوست عربي” أنها باتت تتقن الألمانية بشكل جيد “لا أعلم إن كنت أمتلك موهبة اللغات ولكن أعلم أني أستطيع تعلم أي لغة بشكل سريع”.
بالإضافة لملكة اللغات تمتلك نوجين موهبة التحدث باللهجات العربية والسورية المختلفة، فهي تتقن اللهجة المصرية. وتتقن لهجة المحافظات السورية “الساحلية” و”الحلبية” و”الدمشقية” و”الريفية”.
وتعيش نوجين حالياً بإحدى المخيمات في دورتموند بألمانيا، تذهب إلى المدرسة وباتت تتقن الألمانية بدرجة التفوّق.
هافينغتون بوست عربي – سردار ملا درويش