يست صدفة أن تعلن تركيا قرب التوصل مع روسيا لاتفاق على وقف النار في ليبيا بعد حديث الطرفين عن أزمة مفاجئة بينهما في شمال غربي سوريا. وليست المرة الأولى، التي يجري فيها الربط بين الملفين. موسكو تدعم الرئيس بشار الأسد في سوريا وقائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر شرق ليبيا وتجمع بينهما. أنقرة تدعم فصائل معارضة في شمال سوريا وقوات حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا وتربط بين عناصرهما.
محادثات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان غالباً ما تتحدث مطولاً عن «الملفين». يعزز كل منهما حلفاءه أو وكلاءه بالسلاح والذخيرة والدعم السياسي، ثم يتحدث عن وقف للنار. استفاد الجانب التركي من هدوء «تفاهمات» الشمال السوري لنقل مرتزقة إلى الشمال الليبي. وجند الجانب الروسي مرتزقته من «شباب التسويات» من جنوب سوريا وشرقها للقتال في شرق ليبيا. وعندما يُحشر أحدهما في «جبهة» يحرك أخرى. ومنذ ربيع العام الجاري، ظهر خيط بين معركتي طرابلس وإدلب ثم بين «هدنة» إدلب و«عازلة» سرت.
بفضل اتفاق بوتين – إردوغان في بداية مارس (آذار) الماضي، عاشت إدلب هدنة لأكثر من ستة أشهر، لأول مرة منذ 2011. كان الاعتقاد، أن موسكو لا تستجيب لمطالب دمشق بتحريك ملف إدلب واستعادة مناطق في جنوبها التزاماً باتفاقاتها مع أنقرة، بل إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «تغزل» خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق بالتفاهمات الروسية – التركية لأنها «وسعت» مناطق سيطرة قوات الحكومة السورية. كما بدأ الجيشان التركي والروسي بمناورات مشتركة بعد دورياتهما المشتركة في إدلب، لتأكيد عمق التفاهمات.
وكانت قناعة الجانب الأميركي بأن الوضع في إدلب دخل في «الجمود الممدد» وأنه لا تطورات عسكرية قادمة، وأن همه الوحيد هو «اصطياد المتطرفين» بطائرات «درون» و«سيوف النينجا» التي تخترق سيارات متجولة لمتطرفين في الشمال السوري. أيضا، كانت قناعة أهالي إدلب، بأن الوضع استقر على هذه الصورة، فبدأوا يستعدون للتعايش مع البنية العسكرية والمدنية والاقتصادية التركية هناك.
قبل يومين، حصلت مفاجأة. جرت في أنقرة محادثات عسكرية وسياسية بين وفدي البلدين. فوجئ، الجانب التركي بمطالب روسية جديدة لتقليص وجوده: تفكيك نقاط مراقبة تقع في مناطق سيطرة قوات الحكومة بين حماة وحلب وإدلب وسحب السلاح الثقيل من نقاط تقع جنوب طريق حلب – اللاذقية. وفي الميدان، صعدت طائرات روسية من قصف مناطق في إدلب وتوقف الجيش الروسي عن تسيير دورياته مع الجانب التركي. كما بدأت وسائل إعلام روسية تحذر من «هجمات استفزازية كيماوية من إرهابيين في إدلب». الجانب الروسي يقول بأن مطالبه هذه انطلقت من ضرورة التزام بنود اتفاق موسكو الذي أبرم في مارس الماضي، وأن الهدف إبعاد التهديدات عن قاعدة حميميم وإعادة فتح شرايين اقتصادية بتشغيل الطرق التجارية.
الرد التركي، لم يكن أقل عنادا: ذكر وفد أنقرة ضيوفه بضرورة تطبيق اتفاق شفوي بين الطرفين، تضمن «تسليم» منبج وتل رفعت في شمال حلب، أي قيام الجيش الروسي بإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق الفرات. كما أنه جرى التذكير بحجم الانتشار العسكري التركي على الأرض. هناك أكثر من 12 ألف جندي في إدلب وريفها. وهناك آلاف الآليات التركية. هناك حوالي 60 نقطة ومركز مراقبة، بعضها بات أشبه بقواعد عسكرية. وهناك أيضا آلاف المقاتلين السوريين الذي يخضعون لتدريبات بإشراف الجيش التركي. وعلى الحدود، هناك حوالي 50 ألف جندي تركي، مستعدون للتوغل حال اندلاع المعارك. وهناك مئات «الدرون» في أجواء الشمال.
رسالة أنقرة، هناك خياران: الأول، يمكن حصول مقايضة بين جنوب طريق حلب – اللاذقية مع تل رفعت ومنبج، كما حصل في مقايضات سابقة باستعادة قوات الحكومة السورية بدعم روسي شرق حلب ومناطق أخرى مقابل دخول فصائل موالية لتركيا إلى مناطق «درع الفرات» و«غصن الزيتون» لتحقيق أنقرة «هدفا استراتيجيا» بتقطيع أوصال أي كيان كردي سوري محتمل. الثاني، الوصول إلى حافة مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين تهدد العلاقات الثنائية وملفات تخص التعاون العسكري والعلاقة مع «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) وملفات ليبيا وغيرها.
فجأة، جاء الحل بخيار ثالث ومن «البوابة الليبية». وقف النار في إدلب مهدد والعملية السياسية السورية «الثلاثية» لضامني عملية آستانة، مهددة. في ليبيا، هناك اقتراب من تثبيت وقف النار وتفعيل العملية السياسية. ولا شك أن كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عبر عن حجم الترابط بين «الملفين». قال بأن الاجتماعات العسكرية والسياسية مع الجانب الروسي «لم تكن مثمرة للغاية» إزاء سوريا، ما يهدد استمرارية وقف النار والهدوء في إدلب. وقال: «في حال استمرار خرق وقف إطلاق النار، فإن العملية السياسية تكون قد انتهت». لكنه في المقابل، «بشر» بتفاهم في ملف آخر، إذ قال: «بوسعنا القول إننا اقتربنا من اتفاق حول معايير وقف إطلاق النار في ليبيا».
نقلا عن الشرق الأوسط