يراقب الوالد ذو الخمسين عاماً أطفاله في كل يوم وهم ينظرون اليه بنظرات لا تكاد تزاح عنه مع ابتسامة مستمرة تصاحب وجوههم الشاحبة وعيونهم المتنقلة من الأب الى الأم منتظرين وقت الطعام أو الشراب أو أي عمل آخر يجلب لهم أحداً ليحرك أجسادهم المرتمية على الفراش لساعات طويلة.
عائلة سورية مكونة من أربع أولاد وأب وأم بلغا من العمر الكثير، أطفالهم الأربعة ولدوا بشلل كامل وعدم القدرة على النطق أو التعبير في التواصل، أعمارهم تتراوح بين الثانية عشر والعشرين عاماً، لم تتغير حالتهم أبداً بالرغم من عرضهم على عدد كبير من الأطباء والمختصين والمشافي.
أبو محمد ذو الخمسين عاماً وزوجته لم يتركا مجالاً يساعد أطفالهم الأربعة الا وقاموا بعمله ولكن دون جدوى فالحالة اليائسة التي وصل اليها الأولاد زادت من الوضع سوءاً وتركتهم في حيرة تامة وعجز كبير أمام نظرات أولادهم وضحكاتهم المبهمة.
في كل صباح تدخل الأم وهي تحمل الطعام لتطعم كل ولد منهم ويساعدها الأب في تنظيفهم وتحريك أجسادهم من أجل عدم اصابتهم بتقرحات جلدية من كثرة النوم على مكان واحد من الجسد، تبديل الملابس والاستحمام والتنظيف والطعام يقومان به سويا لأولادهم منذ ولادتهم وحتى اللحظة.
تسكن العائلة في مدينة الريحانية التركية في بيت مكون من ثلاث غرف خصص للأولاد غرفة واحدة يبقون فيها بشكل دائم دون حراك، هرب أبو محمد مع عائلته مع بداية القصف العنيف الذي تعرضت له مدينة معرة النعمان في ريف ادلب، وتنقل بين العديد من القرى المجاورة الى أن انتهى به المطاف في تركيا مع زوجته وأولاده، يعاني أبو محمد من مشكلة المال فبعمره الكبير لم يجد من يقدم له فرصة عمل تساعده على إعالة أولاده وزوجته، يعيش منتظراً بعض المال في نهاية كل شهر من الجمعيات الخيرية الكافلة وبعض من السلل الغذائية خلال الشهر تعينه على الإستمرار في عمله برعاية أولاده الأربعة.
تحدث وعيون زوجته لم تتوقف عن البكاء على حال أطفالها والتعب الكبير الذي تلقاه في نهاية كل يوم، فضلاً عن القلق في بعض الليالي الذي يرافق الأولاد وصراخهم المستمر الذي يجعل النوم بعيداً عن عيونها والدمع يغسل هذا التعب بحرقة شديدة من العجز الكامل أمام صراخهم المتكرر والمبهم.
يقول أبو محمد:” أتوجه بالشكر لكل المساعدين لنا في هذه المحنة ولكل من قدم المساعدة لهؤلاء الأولاد، نحن في بلد غريب ولاعمل لنا ولا مورد، هجرتنا طائرات النظام وصواريخه من بيوتنا وتركتنا في شوارع الغربة واللجوء، فالحمد لله على كل حال وفي كل وقت”.
لم تنته المعاناة عند هذا الحد فقط، بل تستمر في ظل صعوبة تأمين الأدوية المطلوبة لهم وأسعارها المرتفعة وعدم توافرها بشكل مستمر، رحلته اليومية الى المستشفيات ودور الإستشفاء والصيدليات الخيرية والتركية لا تتوقف بل وتستمر بشكل يومي بحثاً عن الأدوية الخاصة بأولاده.
المركز الصحفي السوري
ابراهيم الاسماعيل
