تنهار مجدداً آمال النظام السوري بالسيطرة على مدينة حلب شمالي سوريا، وسط رفض للمليشيات الموالية له بالاستمرار في هذه المعركة المستحيلة، وفي خضم تراجع روسي، عقب ابتداع “خراطيم متفجرة” وإلقاء قنابل فسفورية، ومحاولات لفرض حصار عليها، باءت جميعها بالإخفاق أمام صمود فصائل المعارضة.
ورفضت مليشيات حزب الله اللبناني، والمليشيات الأفغانية والعراقية الداعمة لها، مساندة قوات النظام السوري لمواصلة الهجوم على مدينة حلب شمالي سوريا.
وظهر هذا الرفض وسط خلاف استراتيجي بين النظام الذي يريد السيطرة على حلب بدعم جوي روسي، وبين مليشيات حزب الله التي تؤكد استحالة السيطرة على المدينة، رغم تأكيد زعيم المليشيا حسن نصر الله، قبل أيام، أهمية معركة حلب قائلاً: إن “عددنا في حلب كبير على قدر المعركة، والذين يتحدثون عن أننا تلقينا ضربة في المنطقة يخترعون الكذبة ويسوقون لها”.
وقال حسين ضاحي، المرافق لقوات حزب الله، كإعلامي لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، إن الحزب “وجّه رسالة واضحة لقوات النظام حول هذا الأمر، فمدينة الفلوجة في العراق احتاجت أربعين ألف مقاتل ولعدة أشهر من القتال، وهذه المدينة العراقية تعتبر صغيرة جداً بالنسبة لحلب المترامية الأطراف”، وأضاف: “لكن قوات النظام لم تقتنع بهذه الرسالة، وأصرّت على المواصلة، وفي الغالب ستُدرك خطأها قريباً”.
– موقف روسيا
وتبقى موسكو الجوكر في لعبة الورق هذه؛ فهي تُظهِر قدرتها على كبح جماح طموحات النظام عند الحاجة. وقال ضاحي: إن “هذا الخلاف بالرؤى والاستراتيجيات دفع الروس للإعلان عن عدم وجود نيّة لدى النظام للسيطرة على حلب، كرسالة غير مباشرة للنظام بأن الدعم الروسي سيكون محدوداً، إن لم يُغيّر النظام خططه”.
وكان السفير الروسي في سوريا، ألكسندر كينشتشاك، قد قال أمس الثلاثاء، إن سلاح الجو الروسي ساعد القوات النظامية على تجنب الحصار قرب حلب، واستبعد أن يهاجم الجيش النظامي كلاً من حلب والرقة في القريب العاجل، في رسالة غير مباشرة للنظام بأن التغطية الروسية قد لا تكون متوافرة إلا للدفاع عن النفس وليس لدعم الهجوم.
وازدادت حدّة الهجمات الجوية على حلب وريفها خلال الأسابيع الماضية، بعد أن تكبّدت قوات النظام ومليشيات حزب الله خسائر كبيرة غير متوقعة حول المدينة، بعد أن حشد الطرفان بدعم من إيران عشرات الآلاف من المقاتلين استعداداً لمعركة حلب الهادفة للسيطرة عليها، وانتزاعها من يد المعارضة السورية.
لكن كينشتشاك قال: “لست على يقين من شن هجوم على حلب في المستقبل المنظور، وبالنسبة للرقة أود أن أحجم أيضاً عن أي تكهنات محددة بخصوص تحريرها”.
واستخدمت روسيا أسلحة فتّاكة في قصفها المُكثّف على ريف حلب والمدينة منذ مطلع يونيو/ حزيران الجاري، أحصت المعارضة منها 300 غارة على الأقل، قالت تقارير غربية متخصصة إنها الأسلحة الأشد عنفاً التي استخدمت في معارك خلال العقود الأخيرة، من بينها أسلحة إشعاعية وفوسفورية.
– خسائر وصعوبات
وقالت مصادر من الحزب مواكبة للمعارك العسكرية: “أيقنا استحالة السيطرة على المدينة، وكذلك خطورة التوسع شريطياً دون تأمين المناطق المجاورة للتوسع، فضلاً عن تكبّد الحزب خسائر في قواته وفي قوات موالية لإيران في المعارك التمهيدية”، وكشفت أن “الحزب أكّد للقوات السورية أن مثل هذه المعركة تحتاج لنحو مئة ألف مقاتل على الأرض على الأقل، لترجيح كفّة نجاحها”.
وفي 24 يونيو/ حزيران الجاري، أقر حسن نصر الله، زعيم مليشيات حزب الله اللبناني، بمقتل 26 من عناصره، وأسر آخر في معارك حلب، منذ مطلع الشهر الحالي.
وأظهر مقطع مصور بث قبل أيام، أسرى من مليشيات عراقية في حلب تم أسرهم بريف حلب الجنوبي، اعترفوا بأن قادتهم “ضحكوا عليهم وتركوهم بالصفوف الأمامية”.
ويشهد ريف حلب الجنوبي معارك عنيفة بين جيش الفتح والمليشيات الشيعية التابعة لإيران، ومن بينها حزب الله، وسط تقدم “الفتح” وسيطرته على عدة قرى وبلدات فيها.
ومنذ بدء المعركة تقدمت الفصائل في عدة قرى وبلدات؛ أهمها بلدة خان طومان، حيث خسرت المليشيات؛ وبينها حزب الله اللبناني، عدداً كبيراً من مقاتليها من بينهم قياديون كبار.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي السوري العميد الركن أحمد رحّال، أن “محور إيران وحزب الله كان يريد تطويق مدينة حلب وحصارها عبر تكرار سيناريو حمص، لكن جيش الفتح تمكن من قلب الطاولة على المخطط الإيراني”.
ولفت في حلقة “ما وراء الخبر” على الجزيرة قبل أيام، إلى أن الخسائر الكبيرة التي مني بها حزب الله في معارك الريف الجنوبي هي نتيجة طبيعية في ظل غياب جيش الأسد عن تلك المعركة، التي قاتل فيها بدلاً عنه المليشيات الشيعية المختلفة.
– اشتباكات داخلية
وأشارت مصادر في المعارضة السورية، إلى أن اشتباكات وقعت قبل ما يقارب 10 أيام، بين عناصر من النظام السوري ومليشيات حزب الله، نتجت عن اتهامات متبادلة بالخذلان وتبادل الشتائم المذهبية، وأدت إلى مقتل ضابط و7 عناصر من قوات النظام التي عمدت إلى الردّ بقصف منطقة نبل والزهراء في الريف الشمالي، قبل أن تمتدّ المعارك إلى ريف حلب الجنوبي، لا سيما في منطقة الحاضر ومحيط خان طومان.
وأشار موقع “جنوبية” اللبناني، إلى أن هذه الاشتباكات ليست الأولى من نوعها، ولكن الجديد هو أزمة الثقة بين عناصر الحزب الذين كادوا يجزمون أنّ جيش النظام يسلمهم لقمة سهلة للمعارضة.
وتقول مصادر أخرى إن الاشتباك بين “حزب الله” وقوات تتبع النظام، سببه عمليات الانسحاب السريعة والخاطفة التي يقوم بها النظام من مواقعه في محيط حلب.
فانسحبت مليشيا “صقور الصحراء” قبل أيام من محيط نبل والزهراء، ومن طريق حماة-حلب، نحو مدينة اللاذقية، ومن ثمّ انسحبت مليشيا “قوات العرين حزب الله” التابعة لبشار الأسد، وهي مليشيا دُربت لتكون رديفة لـ”حزب الله” اللبناني أينما قاتل، خاصة في المناطق الشيعية المحاصرة.
وانسحاب تلك القوات أدى إلى غضب إيراني شديد، وغضب مضاعف من عناصر “حزب الله”، ما تطلّب اتصالات مع قيادة الأمن العسكري في دمشق، أحد أكثر الأجهزة الأمنية السورية ولاء لإيران، لإيقاف عمليات الانسحاب.
الخليج اونلاين