“منار جابر” سيدة سورية متزوجة من ابن عمها الشهيد “علي عفرق”، عاد من بطولة تايلند، اعتُقل إثرَ عودته، خرج من المعتقل، أعلن انشقاقة، واستُشهِدَ لاحقا.
تقول منار “كنت ربة منزل، أعيش في منزلي مع أطفالي. لم يكن لدي اهتمام بالسياسة، ولا بالأخبار، اهتمامي ببيتي وبأطفالي، ولا يعنيني من يرحل، أو من يبقى، أو إلى متى يبقى هذا النظام أو غيره”.
وتضيف منار والدموع تملأ عينيها: “استُشهِدَ زوجي، وتم اعتقالي، علما لم تكن لي مشاركات علنية، غُيّبتُ في السجن، انقطعت أخباري عن أهلي، ولم نعد نعرف عن بعضنا شيئا”.
وفي حديثها عن ذاك المعتقل تقول منار:
“كنت أظن أني سأخرج بعد ساعة، أو ربما ساعتين، فقد أخبرني أحد الضباط أن اعتقالي بسبب تشابه أسماء لا غير”.
وتكمل بعد تنهيدة قصيرة الأمد:
“ولكن بعد أن سألني بعض الأسئلة صعقني بعبارة كانت أصعب عليّ من أي عذاب، فقال بصوته الخشن الغليظ “خذوها.. لن تخرجي أبداً”
وتكمل منار وعلامات الخوف من استعادة تلك الذكريات قد أثبتها توسع حدقات عينيها:
“بقيت 35 يوماً في التحقيق، أعاني الضرب والتعذيب، وكثيراً ما كان يتم دفعي عند نزول الدرج لأتهاوى إلى آخره كصخرة أثقلتها الهموم”.
وبكلمات متسارعة تضيف منار:
“عذبوني كثيرا، وافقت على كل التهم الموجهة لي، أريد الخلاص من هذا الألم، اعترفت بما لم أفعل للخلاص من العذاب، أو حتى مقابل طبق طعام، فقد حرمونا من الطعام لأيام”.
بعد الانتهاء من التحقيق معي، تم نقلي إلى جناح آخر في ذلك الجحيم، جناح يضم اثنين وعشرين ملاكاً (طفلاً). وهنا تشير منار إلى أصعب مشاهد رحلتها بين زنزانات العذاب فتقول:
“كان العناصر يغتصبون الطفل، ثم يصورونه، وبعدها يشهرون له تلك الصور، فيشرع بعدها في البكاء والنحيب، فما يراه أصعب من قدرته على التحمل”.
أخبرت منار الضابط عما رأت، قام بمعاقبتها، نقلها إلى زنزانة جثث الذين يموتون تحت التعذيب.
تقول والقشعريرة أرعشت أطرافها رعشة رفت لها عيونها وعيوني على حد سواء:
“رموني في زنزانة مع الجثث المتفسخة، وكانوا يرمون لي حبة بطاطا كل ثلاثة أيام، وكنت آكلها بقشرها دون أن أشعر بذلك”.
بدأت أعاني من ضمور في عيوني، حتى الجثث لم أكد أراها إلا عندما يفتح السجان الباب ليرمي لي حبة البطاطا تلك.
وتكمل منار وقد فتحت عيونها وكأنها تحدق بشيء ما أمامها:
“في أحد الأيام فتح السجان الباب، ولكن لم يَرْمِ بحبة البطاطا؛ وإنما ألقى بجسد شاب، أمعنت النظر دقائق طويلة حتى استطعت تمييزه في عتمة ذلك المكان، كان اسمه محمد، شارك وحدتي بأنينه لبضع دقائق طالباً الماء الذي حرمت منه معه، واستشهد”.
وبإشارة منها إلى بعض الندبات في جلد ظهر راحتيها تقول:
“الحمد لله الذي جعل من المرض الجلدي الذي تعرضت له سبباً في تخفيف العذاب عني، وعدم الاقتراب مني خشية العدوى”.
نُقِلَتْ منار إلى المدينة الرياضية في اللاذقية، فقد تحولت صالات الرياضة إلى صالات للتعذيب بكل أشكاله، فتقول:
“عندما عرفوا أني من مضايا، بدؤوا بتعذيبي دون أن يسألني أحدهم أي سؤال، وأساليب تعذيبهم لا تخطر على بال، فقد كانوا يدخلون كيسا من النايلون في بلعومي حتى أكاد أختنق، فيسحبونه وتخرج معه الدماء”.
وتعرضت منار أيضاً لكسور في الحنك والرقبة والأقدام.
وبعد سنة ونصف من العذاب والقهر، خرجت بصفقة تبادل للأسرى، وانتقلت إلى ادلب، ومن ثم ذهبت إلى تركيا لتلقي العلاج.
لم تروِ منار من قصة عذابها إلا القليل، مشيرة إلى أنّ مئات النساء المعتقلات في سجون النظام يعانين العذاب والألم على أيدي وحوش لا يعرفون من الرحمة حتى اسمها.
فاطمة براء