زهرة محمد-كلنا سوريون
من رحم المعاناة والمجتمع الذي لا يرحم، من قلب ثورة جعلت السوريين منقسمين بين مؤيد ومعارض و بين قاتل ومقتول، بين معتقِل ومعتقل، يبدأ البحث في عالم مليء بالتناقضات من حولك كسوري، إلا أن مأساة المعتقلين قد تكون هي الأكبر بين كل ما نتج عن الثورة، ولعل المعتقل هو الأٌقدر على أن يوصل لك تلك الصورة التي عاشها بين أربع جدران باردة رطبة، لا تحتوي ألمه ولا تسكن جروحه .
لكن لم تتوقف الحكاية هنا، فالسوريات المعتقلات كن أكثر ( أهل الثورة) كرما تجاه الثورة فلم يقدمن الروح بل ما قدمنه أغلى بكثير، وكن ينتظرن أن يبادلهن الناس نظرة الرفعة لا الشفقة بعد خروجهن
ولكن ما حدث لمؤسسات رابطة المعتقلات السوريات كان مختلفا تماما، وهنا بدأت رحلة التحدي بين مجتمع لا يرحم و طريق محفوف بالصعوبات لإثبات الذات .
كيف انطلقت الفكرة الرابطة وما هدفها؟
وفق معطيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 8 آلاف و633 سيدة على الأقل معتقلة في السجون في سورية ، منهن 7 آلاف و9 على الأقل في سجون تابعة لنظام الأسد.
والإحصائيات ليست دقيقة لأن هناك أعداد أكبر منها لم يصرح عنها عدا عن ضحايا الاغتصاب والقتل في سجون الأسد والذين قد يبقى طي التعتيم والكتمان .
ولعل هذه الأرقام قد توحي لك كقارئ بحجم المأساة التي عانت منه أم وأخت وابنة ولربما يكون أنت!
وهذا ما شكل حافزا لبعض النساء السوريات في تشكيل رابطة المعتقلات السوريات في خطوة منهم لكسر حاجز الصمت والخوف، خاصة بعد خروجهن والصدمة الكبيرة لأغلبهن من مجتمع شكل عائقا آخر أمامهن، منى بركة مديرة الرابطة تقول أن الرابطة جاءت لتعكس روح المعتقلات الثوريات ونابعة من معاناة كل واحدة تنضم للرابطة، وحتى القابعة في السجون إلى الآن، ويتواجد مقر الرابطة في الريحانية في هاتاي في تركيا والذي بدأ بنشاطات متعددة .
(( انبثقت الرابطة من ألم كل واحدة منا، وحكايتها في المعتقل و المجتمع الذي لم يرحمها أحيانا، رغم أن المتعلقة قدمت الكثير، وتشكل الرابطة نقلة نوعية في مسيرة المعتقلات، حيث ستكون منبرا يتكلم بإسمهن )) .
وتردف بركة أن الرابطة تهدف لإعادة هيكلة النظرة النمطية عن المعتقلة وتقديم الخدمات لها، ومساعدتها على تخطي محنتها نفسيا وجسديا.
وتتحدث بركة، أن الرابطة تحاول جاهدة تأمين العديد من الخدمات ، منها التأهيل النفسي والجسدي ف التواصل مع أطباء نفسيين ومختصين لتخطي المرحلة الصعبة وهي التأقلم من المجتمع بعد الخروج من المعتقل ، أيضا تأمين العمل للمعتقلات اللائي يجدن صعوبات في إيجاد العمل وسط الظروف المعيشية الصعبة في المناطق المحررة وغيرها من الدول المجاورة التي لجأن إليها، والتي يعاني منها اللاجئ السوري بشكل عام والمعتقلات بشكل خاص من حيث التضييق والتهميش وقلة الفرص في حياة كريمة وعمل لائق يناسب التطلعات .
و يضم فريق الرابطة فريقا صغيرا مؤلفا من مديرة الفريق ومسؤولة العلاقات العامة، ومديرة المكتب في درعا، وأيضا نساء مكلفات عن المكتب في إدلب ومنسق عام في أوربا ومساعد مالي داخل مقر الرابطة في تركيا .
وتضيف بركة أن هدف الرابطة الأساسي هو تمكين المعتقلة السورية من إثبات نفسها وتحقيق قدراتها الكبيرة والتي واجهت الكثير من العوائق والظروف المحيطة والتي حاول طمس هويتها وروحها .
صعوبات عاشتها نساء الرابطة قبل تأسيسها بعد الاعتقال !
هنادي عتمة مديرة مكتب الرابطة في درعا
إن أكبر التحديات التي تواجهها المعتقلات هي التأقلم مع المحيط الخارجي بعد الخروج من سجون المعتقل والتي لاقت فيها أشد أنواع العذاب ( هنادي عتمة ) من مدينة درعا مؤسسة الرابطة والتي وجدت أن الرابطة هي النافذة الوحيدة للمعتقلات كي يخرجن إلى العالم بقوة وثقة بعد أن لفظهن المجتمع وتجاهلهم الجميع بشكل كبير، تروي حكايتها والتي كانت تعمل كممرضة وقد استشهد زوجها قبل اعتقالها بسنة واحدة، تم اعتقالها في 2014 وهي متوجهة لمكان عملها في أحد مشافي درعا البلد، وقد حوِلت لأكثر من فرع أمني منها فرع فلسطين، وتم حبسها بشكل انفرادي لمدة شهر ونصف قبل أن تبدأ عذاب السجون والتعذيب والضرب والإهانة بشتى الطرق والوسائل التي أتيحت لمعتقليها ممارستها، وجه لها عدد من التهم منها عمل دورات تمريضية لما يسمى ( بالإرهابيين ) التمويل الخارجي والداخلي، وإنشاء جمعيات غير حكومية للأيتام والمعتقلين!، ستمر اعتقال هنادي ثلاث سنوات ولكن عندما خرجت ، كانت المرحلة التي تلت اعتقالها والتي شكلت عذابا من نوع آخر ولعله قد يكون أكبر على الصعيد النفسي (( اعتقالي غير حياتي تاركة ورائي أربع أطفال أكبرهم في عمر 14 عاما وعندما خرجت كان عمره 17 عاما وأصغرهم بات عمره ثمان سنوات، لقد كانت هذه المرحلة كفيلة بأن تكون شرخا كبيرا بيني وبين أطفالي الذين كبروا بعيدا عني ولربما تعودوا عدم وجودي لتربيتهم. ))
وتكمل هنادي حكايتها مع المجتمع الذي لم يكن عونا بل شكل عائقا كبيرا في وجهها لتكمل تحديات كبيرة واجهتها وحدها دون عون إلا باليسير والقليل (( عندما خرجت أحسست بتغيير كبير بي وبمن حولي، لقد كانت رحلة الاعتقال مفصلا وحدثا غير معالم روحي ونفسي، المرأة المعتقلة حملت هم الأمن و المجتمع بعد خروجها، ونظرتها لنفسها ونظرة ذويها إليها، كان ذلك موجعا خرجت وأنا محرومة من كل حقوقي المدنية وحتى السفر، ولدى بحثي عن عمل لم أجد أي مشفى تقبل توظيفي وكانت المنظمات الداعمة تقابل تقدمي بالرفض دائما مع حجة أن العدد كاف ولا يلزمهم ممرضات جدد،!!))
واستمرت بعد قصف منزلها بالكفاح وتربية أبناءها بقوة رجل، حتى وجدت عملا لتسد به رمق العيش رغم أنه لا يكاد يغطي ربع مصاريفها مع عائلتها، ولعل أكثر ما أحزن هنادي هو ذلك السؤال الذي يلوح على الشفاه والجباه لمجتمع كثير التساؤلات وهمهم الكبير والأول ( هل اغتصبت ) تعلق هنادي بأسف كبير (( الغريب أنهم يسألونك عن الاغتصاب ولكن لا يسألوك عن إحساسك عن شعورك وما تريد كي تتخطى هذه المرحلة السوداء من حياتك، كان سؤالهم يشكل خنجرا آخر وحبسا ولكن دون قضبان))!!
بعد سنة من البحث والتعب وجدت هنادي أن فكرة الرابطة هي حق يجب البحث عنه والدفاع لأجله حيث يكون للمعتقلة مكان يتحدث باسمها وبفكر بألمها ويجده لها حلولا تساعدها .
صفاء الأشقر مسؤولة العلاقات العامة في الرابطة
لدى صفاء مدرسة اللغة الانكليزية في دمشق، قصة قد لا تكون مختلفة في الشكل ولكنها مختلفة في تفاصيل كثيرة، اعتقلت صفاء في 2014 واستمر اعتقالها لسنين ونصف، بعيدا عن أهليها وذويها دون أي اتصال ودون أن تعرف ما يدور حولها إلا ممن يدخل إلى المعتقل حديثا، (( اعتقالي كان حكاية مؤلمة جدا، فقد عشت في المعتقل أسوأ أيام حياتي إلا أني بعد خروجي وجدت أن آثار ذلك لم تمح بسهولة أبدا رغم أني قوية ومكافحة ولا أضعف بسهولة))
كان أهل صفاء سندا وعونا، ولكن نظرة المجتمع النمطية والسلبية كانت هي معاناة كبيرة وظلما من نوع آخر، ((عند خروجك من المعتقل تبدأ مشاكلك بالدوران حولك ككابوس، وعند سفري إلى لبنان شعرت بأني مكبلة ومقيدة، ولا أستطيع العمل وقد توقفت بشكل كبير عن عملي نظرا لأثر الاعتقال في نفسي لدرجة أني لم أعد أطيق التواصل بشكل كبير، كنت عندما أريد البحث عن عمل أو الحديث مع أي أحد يمت تنبيهي بأن لا أبوح بقصة اعتقالي وكأن اعتقالي وصمة عار !))
في لبنان والمعروفة بأنها أصبحت عبئا على السوري، والملاحقات الأمنية عانت صفاء من خوفها من الحواجز الأمنية وكان لديها هوسا بأنه سيتم توقيفها ومسائلتها، وعرفت أنها لم ترتح بشكل نهائي من تبعات النظام المخابراتي الذي كانت تعيشه في سوريا حتى بعد الإفراج عنها .
وتقول صفاء أن كل المعتقلات اللواتي عرفتهن تواصلت معهن، عانوا من نفس المشكلة سواء في الداخل السوري في في الدول المجاورة، وهي التهميش وعدم المبالاة بمشاكلهن، والمشكلات النفسية التي تتعرض لها عدا عن سوء الظروف المعيشية والفقر واللجوء لأغلب المعتقلات .
و من المشاكل التي قد تعترض المعتقلة عند خروجها هو عدم وجود طريقة للعيش الكريم خاصة إن لفظها المجتمع والأهل والزوج، وقد يحصل هذا لبعض المعتقلات فتلجأ إلى طرق كثيرة لـامين قوت يومها، أو البحث بأساليب غير لائقة ، أو تبحث أحداهن عن عمل ويتم استغلالها وعدم منحها حقها لأنها بحاجة شديدة للعمل، بعد أن أغلقت كل الأبواب في وجههن .
تطلعات رابطة المعتقلات السوريات
تتطلع الرابطة للاهتمام بكل المعتقلات السوريات سواء داخل السجون أو خارجها، والتواصل مع محامين ومنظمات تدافع عن حقوقهن، واحتواء آمالهن على الصعيد المادي والنفسي، وتخطي المعتقلة للمراحل الصعبة بعد خروجها من المعتقل سواء مع أسرتها أو وحدها، وعمل خطة موحدة بين كل أعضاء الرابطة في الدول المتواجدات فيها.
وتأمل أعضاء الرابطة بالنظر جيدا لمساعدة المعتقلات بشكل جدي ولافت وليس فقط( المواساة ) بل عمل خطوات جدية تجاههن، ودعت مديرة الرابطة منى بركة الجهات المعنية والمنطات الإنسانية والحقوقية بالوقوف بجانب الرابطة ودعمها جيدا كي يتم تفعيل عملها بشكل كبير وعلى صعيد دولي وليس محلي فقط.