ومع حلول مساء يوم السبت الماضي، تكون العمليات العسكرية للقوات العراقية، قد دخلت شهرها الثالث في محافظة الأنبار كبرى مدن البلاد المحاذية لكل من السعودية والأردن وسورية. حققت العمليات تقدماً عسكرياً على التنظيم، بدعم مباشر من واشنطن التي وفرت مظلة جوية على مدى الأشهر الماضية.
وتبرّر القوات العراقية تركيزها على استعادة السيطرة على طريق بغداد دمشق البالغ طوله نحو 380 كيلومترا إلى حيويته، بإمكانية شلّ تحركات التنظيم وسهولة استعادة مدن الأنبار الرئيسية المحاذية للطريق، وهي الكرمة والفلوجة والرمادي وهيت وعنة وراوة وآلوس والقائم وحصيبة والرطبة، إضافة إلى عشرات البلدات والقرى الأخرى. غير أنّ خبراء عسكريين يرون أن الجهود في استعادة الطريق مضيعة للوقت، وغير منطقية من الناحية العسكرية، ويجب العودة للتركيز على قضم المدن والبلدات بشكل تدريجي حتى ترتخي قبضة التنظيم على الطريق معها تدريجياً.غير أنّ هذا الغطاء الجوي ينعدم تقريباً في عمليات السيطرة على الطريق الدولي السريع الرابط بين بغداد ودمشق والذي يخضع بشكل شبه كامل لسيطرة “داعش”، الذي أغلق بدوره جميع أشكال التواصل بين النظامين العراقي والسوري منذ نحو عامين، فضلاً عن قطع ما يُعرف بالقناة الاقتصادية الجافة بين بغداد وعمّان.
ويرى مراقبون أن تركيز الحكومة على استعادة الطريق نابعة من غاية سياسية أولاً، تتمثل في استعادة التواصل مع دمشق برّياً، بعد اقتصاره طيلة الفترة الماضية على الرحلات الجوية التي تمرّ من فوق الأنبار على ارتفاعات شاهقة تجنباً لنيران المسلّحين.
وبحسب مصادر عسكرية عراقية، فإن “داعش” يزرع مئات الألغام على جانبي الطريق على طول مئات الكيلومترات، وينشر قناصة وجيوبا مسلحة متفرقة ومتناثرة كي يصعب على الطيران استهدافهم والقضاء عليهم، ويصعّب مهمة تقدم قوات نظامية على الطريق.ويسيطر “داعش” على نحو 80 في المائة من الطريق، بدءاً من الفلوجة شرقاً، وحتى القائم غرباً انتهاء بالنقطة (صفر)، عند المعبر الحدودي المغلق. ويخضع الأخير لسيطرة مشتركة من جنود تابعين للنظامين العراقي والسوري، وبات يوصف بالمعبر الجزيرة كونه مطوقا من كل الاتجاهات ولا تصل الأغذية والمساعدات العسكرية للقوات المتواجدة فيه، إلا عبر الطائرات المروحية.
ويقول مسؤول عسكري عراقي رفيع لـ”العربي الجديد”، إن “الحكومة العراقية تضغط باتجاه استعادة الطريق إلى دمشق غير مكترثة بالخسائر، رغم نصائح الأميركيين، الذين يجدون في الموضوع عبثا وإضاعة للجهد والوقت والدماء، ويطالبون بالتركيز على المدن التي تعتبر (قاعدة الحبل) الذي يمسك بالطريق، كون الأخير يمرّ بغالبية أجزائه بصحراء الأنبار القاحلة والمفتوحة من جميع الاتجاهات، وتكون القوات النظامية في حالة وهن وضعف أمام هجمات مقاتلي (داعش) المباغتة والسريعة”.
ويضيف المسؤول؛ وهو ضابط ضمن لواء المشاة الثاني بالفرقة السابعة بالجيش العراقي في حديث لـ”العربي الجديد” أن “المليشيات تسعى بشكل هستيري لاستعادة الطريق، وكأنه مقصد أو هدف مقدس، ولعل السبب الوحيد في ذلك هو استعادة تواصلها برّاً مع دمشق التي تغص بالمتطوعين وأعضاء المليشيات الداعمين لنظام بشار الأسد”.
ويقول شاب في العقد الثاني من العمر، وهو أحد أفراد فصيل جهادي إسلامي يدعى كتائب حزب الله العراقية لـ”العربي الجديد”، إن “استعادة السيطرة على الطريق بمثابة الإمساك بثعبان ضخم ينفث السم في وجهك”.وبيّن أنّ أجزاء الطريق التي تمت استعادتها في الأشهر الثلاثة الماضية، جميعها بلا استثناء، لا تزال قلقة وغير مستقرة، فضلاً عن صعوبة السيطرة على أجزاء الطريق المار بالمناطق الصحراوية.
ويضيف الشاب الذي أطلق على نفسه أبو منتظر الحمداني “قدّمنا مئات الشهداء في سبيل استعادة الطريق، وستكون السيطرة عليه شيئا عظيما”.
ويبين الحمداني خلال تواجده على مقربة من منطقة الخمسة كيلو غربي الرمادي، مع عدد من مرافقيه التقى بهم مراسل “العربي الجديد”، أن “الطريق مهم بالنسبة لنا”، ثم يهز برأسه ويشيح ببصره اتجاه الطريق البعيد عنهم، ويقول “سنعيد مواكب الزيارة إلى العقيلة زينب من هذا الطريق، بدءاً من النجف وحتى دمشق كما كانت بالسابق ولو بعد حين”.
ويصف الخبير بالشأن الأمني العراقي فؤاد علي، مساعي الحكومة والمليشيات المحمومة لاستعادة الطريق بأنها “مثال على التداخل الكبير بين الأجندات السياسية والطائفية وبين الحرب على الإرهاب”. ويضيف أن “هدف معركة طريق بغداد دمشق، كما يروج لها، سياسي بالدرجة الأولى، وإلا فإن ترك مدن كبيرة والتركيز على طريق وسط الصحراء هو غباء عسكري ومحرقة للقوات العراقية والحشد الشعبي”.وتأتي محاولات الحكومة استعادة السيطرة على الطريق الرئيس الوحيد الرابط بين بغداد ودمشق، بعد فشل مشروع شق طريق جديد من محافظة كربلاء، مروراً بمدن عين تمر والرحالية ثم النخيب الحدودية مع السعودية، مرورواً بالرطبة الحدودية مع الأردن، نحو القائم المحاذية لسورية. وهو مسار صحراوي يمتد لأكثر من 300 كيلومتر يمثل مساراً خاليا من سيطرة أحد طرفي القتال. ويعود السبب إلى ثلاث هجمات متتالية استهدفت مقرات ائتلاف ثلاث شركات عراقية وإيرانية فازت بمشروع شق الطريق، وأسفرت عن مقتل عدد من المهندسين والعمال وتدمير العشرات من آليات المشروع. وأدت الهجمات، بالتالي، إلى توقف المشروع وانسحاب الشركات، ثم تجميده من قبل الحكومة منتصف العام الجاري، بسبب دخول البلاد بأزمة مالية خانقة ألغت معها المئات من المشاريع الأخرى في عموم مدن البلاد.
ويرى أن “استعادة الطريق أو فتحه، لن تمنح النظامين فرصة عودة التواصل المباشر بين بغداد ودمشق كما كان قبل العام 2014، إذ سمحت حكومة نوري المالكي حينها لإيران باستخدام الطريق لمساعدة الأسد؛ فهناك مدن كاملة في الشطر السوري خارج سيطرة النظام تقع قبل دمشق من اتجاه العراق (الشرقي). لكن سيكون فيها نفع لإيصال المساعدات لقوات النظام المتواجدة في مدن قريبة من حدود العراق، مثل أبو حمام وصور وميدانين والشعفة وهجين، والتي يجد نظام الأسد صعوبة في دعمها بالسلاح والغذاء وقد يكون الهدف جعلها منطلقا، لاستعادة السيطرة على المدن الخارجة عن حكمه”.
العربي الجديد