استفاقت قطر، التي تعيش وضعا صعبا في محيطها الخليجي، لتجد أن الميليشيات التي تدعمها في ليبيا قد خسرت أبرز مواقعها في العاصمة الليبية، فضلا عن فشلها في منع التوصل إلى اتفاق بين قائد الجيش خليفة حفتر وبين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج.
يأتي هذا في وقت تتحرك فيه مصر لمنع أن تصبح ليبيا منطقة مهددة لأمنها القومي بدعم من الدوحة.
وسعت الدوحة، عبر تحريك القوات التابعة لحكومة الإنقاذ المنحلة، إلى خلق واقع أمني جديد في طرابلس يسمح لها باستعادة الملف الليبي بيدها، وذلك بالسيطرة على مواقع حكومة رئيس المجلس الرئاسي واعتقاله أو دفعه إلى الهروب.
لكن الميليشيات الإسلامية فشلت في تحقيق ما خططت له أمنيا وسياسيا، فقد أظهرت القوات الداعمة للسراج قدرة على السيطرة على الوضع الأمني والتحكم فيه.
وتمكنت قوات حكومة الوفاق من صد الهجوم، وانتقلت إلى مرحلة المبادرة به، مما أدى بقوات الإنقاذ إلى التراجع والانسحاب من أهم معاقلها في جنوبي العاصمة وخاصة مطار طرابلس الدولي.
وزادت هذه التحولات من فرص نجاح اتفاق أبوظبي بين السراج وحفتر، وهو الاتفاق الذي تعتبر الدوحة أنه قد انتزع منها الملف الليبي وسلمه لمصر والإمارات اللتين كانتا وراء التوصل إليه.
وكشفت تسريبات إعلامية أن السفارة القطرية في طرابلس تعيش “اجتماعات أزمة” بعد نجاح قوات السراج في ضبط الوضع الأمني لفائدة حكومة الوفاق، وأن عامل المفاجأة كان وراء هذه الهستيريا.
وتقول مصادر ليبية مطّلعة إن السفير القطري الشيخ محمد بن ناصر آل ثاني أحاط نفسه بمستشارين من جماعة إخوان ليبيا الذين كانوا يقدمون له تقارير وهمية عن قوة الجماعة والميليشيات التابعة لها، في مقابل التقليل من قدرات حكومة السراج، وأن قطر دفعت تحت وقع تلك التقارير أموالا طائلة كانت تظن أنها ستمكنها من السيطرة على طرابلس بالكامل.
وتفاجأت قطر بسلسلة من الانهيارات في صفوف الميليشيات الحليفة، خاصة بعد الهجوم على براك الشاطئ، والتي اقتحمتها ميليشيات موالية لحكومة الإنقاذ المنحلة بطريقة أثارت غضبا واسعا لما خلفته من قتلى وجرحى، وخاصة لخرقها اتفاق التهدئة.
خليفة حفتر: قطر ودول أخرى تدعم الجماعات الإرهابية بالمال
ومثل إعلان تنظيم أنصار الشريعة (فرع القاعدة بليبيا) عن حل نفسه ضربة قاصمة للدور القطري في الشرق الليبي خاصة أن القرار جاء بعد أن تلقى التنظيم ضربات قوية من الطيران المصري، ما اعتبره خبراء ومحللون عسكريون انسحابا برمي المنديل لميليشيا محسوبة على أصدقاء قطر في طرابلس ومصراتة.
وسبق أن اندمج أنصار الشريعة في مجلس شورى بنغازي، والذي يضم متشددين مدعومين من الميليشيات في طرابلس، وخاصة من المفتي الصادق الغرياني المعروف بصلاته القوية بجماعة إخوان ليبيا.
واستولت ميليشيا أنصار الشريعة على ثكنات ومواقع عسكرية كانت تابعة لنظام العقيد الراحل معمر القذافي وحولتها إلى معسكرات لتدريب المئات من الجهاديين الراغبين بالقتال في سوريا والعراق.
وقال المحللون إن حل التنظيم المتشدد لنفسه هو إعلان عن فشل خطط قطر في تحويل الشرق الليبي إلى منطقة إرباك لمصر، خاصة بعد زيادة الدعم والتمويل الموجهين للمجموعات المتشددة بعد الإطاحة بإخوان مصر وتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكم.
وأشاروا إلى أن توسيع مصر لعملياتها من الشرق إلى مدينة الجفرة (وسط) يكشف عن مسعى مصري جدي لمنع تحول ليبيا إلى تجمع لميليشيات تهدد أمنها القومي، فضلا عن كونها أدوات لأطرف خارجية تسعى لابتزاز القاهرة في ملفات محلية وإقليمية مختلفة.
واتهم قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، قطر ودولا أخرى لم يسمها بدعم الجماعات الإرهابية، وذلك في بيان أصدره، مساء الأحد، بشأن الأوضاع في درنة، والاشتباكات في العاصمة طرابلس.
وقال حفتر في البيان، إن الجيش يراقب “الجاليات التشادية والسودانية والأفريقية عموما والعربية المتواجدة على الساحة الليبية التي دخلت إليها نتيجة عدم السيطرة على الحدود والتي تم دعمها وجلبها عن طريق دول إقليمية ودول تدعم الإرهاب..”.
وأضاف أن بعض هؤلاء الأشخاص استلموا “مبالغ مالية من دولة قطر وكذلك من دول أخرى ومن عناصر الإرهاب المتمثلة في بعض الميليشيات الإرهابية داخل ليبيا”.
وقالت أوساط ليبية مقيمة في القاهرة إن قطر لا تجد نفسها في مواجهة مصر وحدها في الملف الليبي، مشيرة إلى أن الوضع سيتغير بشكل كبير بعد إنهاء بريطانيا التحقيق في ملابسات هجوم مانشستر، والكشف عن الشبكة الرئيسية التي ترتبط بالجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، ما يجعل الغرب يراجع تراخيه تجاه الملف الليبي خاصة بعد أن تحولت طرابلس إلى فضاء حر لعمل الشبكات الإرهابية.
واعتبرت أن هامش المناورة قد أصبح محدودا في الساحة الليبية أمام قطر، مشيرة إلى أن مصر لا تتحرك دون دعم دولي في استهداف مواقع المتشددين، وأن تدخلها شرق ليبيا ووسطها تم بضوء أخضر من قمة الرياض التي أبانت عن موقف إسلامي وأميركي حاسم تجاه الإرهاب.
العرب اللندنية