الحرب السورية غيرت مجريات الأحداث بكل مجالات الحياة العملية والثقافية والاجتماعية، ولعل الوضع الاقتصادي المتدني ساعد في ظهور مهن جديدة وأخرى قديمة ومهن كثيرة الآن هي عرضة للزوال.
حاول الرجال مسايرة أوضاع الحرب لتأمين مصدر رزقهم ليعيلوا أسرهم وبغض النظر عن الوسيلة أو المهنة المتبعة، ومن أكثر الصناعات المنتشرة تلك الداخلة في المجال العسكري والتابعة للفصائل المعارضة مثل العمل بتصنيع الأدوات العسكرية ضمن معامل صغيرة، أو محلات تجارية خاصة ببيع الألبسة العسكرية ومثلها خاصة بالأسلحة وكل ما يلزم للمعارك، رغم أن مشاهدتها في الأسواق غير اعتيادي بالنسبة لكثر من الناس.
أبو خالد من درعا يقول لمراسلة الخليج أونلاين بعد أن فقد عمله ولجأ للعمل بالمجال العسكري: “إن العمل في المجال العسكري خطر للغاية، وكثير من الأشخاص فقدوا حياتهم نتيجة أخطاء بسيطة لكنها مكلفة، وخاصة خلال التعامل مع المواد المتفجرة أثناء تجهيز العبوات الناسفة أو قذائف المدافع والقنابل اليدوية، أو حتى صناعة المدافع والصواريخ المحلية”.
عقب استهداف النظام بطائراته ومدفعيته الأسواق والمحلات التجارية مع المناطق الصناعية التي هي عصب الحياة الاقتصادية في كافة المدن السورية، فقد الكثير من الرجال عملهم واضطروا لتبديل مهنهم التي رافقتهم سنين فيما مضى مثل كهربائيّ التكييف والتبريد بسبب انقطاع الكهرباء بشكل دائم في المناطق المحررة وبالتالي ظهرت فكرة العمل في المولدات الكهربائية الكبيرة ” الأمبيرات “.
أبو جهاد عامل سابق في الكهربائيات وتصليحها يقول:” انتقلت للعمل بالأمبيرات والإشراف عليها رغم أنها متعبة ونواجه صعوبات كثيرة أثناء سير عملها، لكن هذا أفضل من المكوث في منازلنا”.
ويحارب السوريون واقعهم المعيشي الفقير بشتى الأساليب ولو كانت بصنعات كانت منتشرة قديمة، وفور قطع النظام الماء عن المناطق الخارجة عن سيطرته، عادت مهنة بائع الماء المتجول في الطرقات بشاحنته الصغيرة لتعبئة خزانات سكان منطقته، هذا غير أن حرمان تلك المناطق من أبراج الاتصالات السلكية واللاسلكية، المترافقة بقطع الانترنت، فرض هذا الأمر على السكان إيجاد ما يطلعهم على العالم الخارجي فوفروا خدمة ” النت الفضائي” الملبي للحاجة نسبياً.
فصل النظام مئات الموظفين العاملين سابقاً بدوائره الحكومية بحجة أنهم يقطنون مناطق يسيطر عليها الإرهابيون وهم يدعموه، وكانت نسبة الرجال هي الأكبر، ولم يبقى لمعظمهم مصدر رزق وذهب معظمهم للعمل بما هو متاح فإما أن يفتحوا محلاً صغيرً للمبيعات ” السمانة ” ويضمنونه بطاقات انترنيت بعد الاعتماد على ” النت الفضائي”، ومحلات ثانية تقوم بوضع مولدة صغيرة تشحن فيها ( مولدات، بطاريات، موبايلات، حواسيب) وتترواح أجارات الشحن من 50 ل.س ومافوق بحسب كل قطعة يتم شحنها.
أبو محمد الذي فقد محله المتخصص بالتصوير الفوتوغرافي بقصف النظام يقول:” افتتحت براكة صغيرة ” كشك” قرب منزلي يوجد بداخلها أشياء كثيرة كالمعلبات وأمام بابها براميل مازوت وبنزين ومحروقات أخرى، حالي كحال غيري من الرجال”.
بينما وجد رجال آخرون في الاحتطاب مهنة لكسب الرزق وعلى وجه الخصوص في الشتاء البارد وأسعار المحروقات المرتفعة، ناهيك عن المحلات التجارية في الأسواق التي اتخذ أصحابها من الألبسة الأوربية “البالة” خير معوض لبضائعها الجديدة المرتفعة الأسعار بشكل خيالي تزامناً 80% من الشعب السوري تحت خط الفقر.
ويبقى الشعب السوري يصارع صعوبات الحياة بكل ما يملك من وسيلة، لكي يحافظ على مسيرته في الوجود ولو كان ذلك بالرجوع لأساليب ومهن قديمة ومتعبة، فالمهم في نهاية المطاف أن تدر عليه مالا يوفر منه لقمة عيشه.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن