وكالات
يعاني السوريون المسافرون من مقاطعة عفرين الكردية إلى مدينة حلب شمالي سوريا وبالعكس، من طول المسافة على الرغم من أنها لا تتجاوز 60 كم فقط، وذلك بسبب ظروف الصراع في البلاد المستمر منذ نحو 4 أعوام الذي جعل الفترة اللازمة لقطع تلك المسافة تصل إلى أكثر من 12 ساعة في حين أنها كانت سابقاً لا تتجاوز ساعة واحدة.
الطريق بين حلب وعفرين “60 كم شمال غربي مدينة حلب مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه” الذي كان يتم قطعه في أقل من ساعة واحدة قبل بدء الصراع في مارس/آذار 2011، بات مهمة بحاجة إلى حسابات ولزمن قد يتجاوز تلك المدة بعشرة أضعاف أو أكثر.
وقال وليد طراف وهو سائق حافلة، يعمل على نقل الركاب بين حلب وعفرين وبالعكس: “إن المسافر من عفرين إلى مدينة حلب بات أمامه خياران مختلفان الأول التوجه إلى الأحياء الشرقية في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، عبر القرى والمناطق الخاضعة لسيطرة تلك القوات شمال المحافظة، وتستغرق تلك الرحلة 4 ساعات على الأقل.
وأضاف في تصريحه لوكالة “الأناضول”، أن المسافر يملك خياراً آخر وهو التوجه إلى الاحياء الغربية في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وقد يصل طول الطريق الى 700 كم بالتوجه جنوبا نحو وسط البلاد ومن ثم الالتفاف والعودة باتجاه الشمال وتستغرق هذه الرحلة 12 ساعة على الأقل.
ولفت إلى أن مدة الـ12 ساعة تكون في حال عدم وجود اشتباكات ببعض المناطق بين قوات النظام والمعارضة، مشيراً إلى أن الطريق يستغرق وقتا أطول عند وقوع اشتباكات حيث يتم الاضطرار للتوقف والانتظار لحين توقفها.
وبحسب طراف، فإن هذا الطريق من عفرين إلى الأحياء الغربية بمدينة حلب يضم نحو 60 حاجزاً عدا الحواجز الطيارة (المؤقتة)، وهي منقسمة بين قوات جيش النظام وقوات الدفاع الوطني(الشبيحة) وبعضها يقف عليها عناصر لحزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب قوات النظام، فضلاً عن حواجز تابعة لجبهة النصرة وبعض فصائل المعارضة في بعض المناطق التي يسيطرون عليها على هذا الطريق.
وتابع أن الحواجز التابعة لقوات المعارضة تركز عادة على أمور مثل، تفتيش الهواتف النقالة للبحث عما هو غير شرعي أو يثبت التعامل مع النظام، وكذلك الالتزام بالزي الشرعي بالنسبة للنساء وحتى الرجال، ووجود محرم مع النساء المسافرات، ووجوب جلوس النساء في المقاعد الخلفية للحافلات والرجال في الصفوف الأمامية، منعاً للاختلاط.
في حين أن الحواجز التابعة للنظام تركز على تفتيش الهواتف النقالة للبحث عما هو معارض للنظام من صور أو مقاطع فيديو، وكذلك التفتيش عن متفجرات وأسلحة أو مطلوبين للأجهزة الأمنية أو فارين من الخدمة في جيش النظام وغيرها.
وأشار طراف الذي فقد ساقه اليمنى نتيجة إصابته بشظية برميل متفجر ألقتها مروحية تابعة للنظام سقطت بالقرب منه قبل أشهر على الطريق، إلى أن القيادة هي باب الرزق الوحيد أمامه لإعالة أسرته لذلك هو مضطر للعمل والسفر المتواصل بعد أن ركبّ ساقاً اصطناعية كي يستطيع الاستمرار بالعمل.
من جهته، قال سليمان عبدو، وهو موظف في مؤسسة تابعة لحكومة النظام في مدينة حلب ويقيم في عفرين حاليا بعد أن نزح عن مكان سكنه، إنه في بداية كل شهر يضطر للسفر إلى حلب الغربية (مناطق سيطرة النظام) لكي يقبض راتبه، ويغامر بحياته للحصول على ذلك الراتب الذي لا يتجاوز 200 دولاراً، لكنه يعتبر “مورد المعيشة الوحيد له”.
وأضاف “في بعض الأحيان وعند وجود اشتباكات على الطريق نضطر للنوم في الباصات، ونقوم بتأمين حاجياتنا من طعام وشراب بشرائها من القرى والبلدات الواقعة على طرفي الطريق”.
ولفت سليمان إلى أنه لدى بعض المواطنين الأكراد مخاوف من أن تتعرض لهم بعض الفصائل التابعة للمعارضة
أما السيدة عائشة حسين المقيمة في عفرين، فتحدثت لمراسل “الأناضول” عن معاناتها مع السفر إلى مدينة حلب قائلة “اضطر في بعض الأحيان للسفر إلى الأحياء الشرقية في حلب (الخاضعة لسيطرة المعارضة) من أجل زيارة أهلي وأقاربي الذين ما يزالون يعيشون في تلك الأحياء ولم يقوموا مثلما فعلت مع عائلتي بالنزوح إلى عفرين”.
وأشارت إلى أن السفر إلى حلب والعودة منها يتسبب للمسافرين بالكثير من المعاناة خاصة بالنسبة للنساء، فحواجز المعارضة ترفض السماح بمرور الحافلة ما لم يكن مع النساء محرم وحتى لو كانت واحدة منهن عجوزاً أو أنها لا تملك ذلك المحرم.
واستدركت بالقول، “نعيش حالة من القلق منذ لحظة بدء السفر إلى حين العودة في ظل المخاوف من أخطار الطريق والاشتباكات بين الفصائل المختلفة أو التعرض لشظية برميل متفجر أو قذيفة من أحد أطراف الصراع”، مشيرة إلى أن الابتعاد عن عائلتها يسبب لها ولهم “كابوسا” حتى عودتها.
من جهته، قال السائق عثمان خليل إنه يقل عادة المسافرين من عفرين إلى الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة، مشيراً إلى أن أغلب هؤلاء المسافرين هم من الأكراد الذين نزحوا من الأحياء الشرقية لحلب مثل الشيخ مقصود والأشرفية وبستان الباشا إلى عفرين ويريدون الاطمئنان على منازلهم أو زيارة بعض أقربائهم الذين ما زالوا في تلك الأحياء.
وأضاف خليل لمراسل “الأناضول”، أن المفارقة التي تدعو للسخرية تكمن في أن من يريد السفر من حلب الشرقية إلى الغربية وبالعكس بات مجبراً على السفر إلى عفرين التي تبعد 60 كلم وسلوك طريق طويل يبلغ طوله مئات الكيلومترات للوصول إلى وجهته.
وضرب مثالاً أنه من يريد الذهاب من حي الشيخ مقصود ،الخارج عن سيطرة النظام، إلى حي السريان الخاضع لسيطرة النظام سيسافر إلى عفرين ومنها إلى حلب الغربية وهذا يستغرق 16 ساعة، في حين أن الحيين لا يبعدان عن بعضهما سوى بضعة كيلومترات وكان الوصول بينهما لا يستغرق أكثر من 10 دقائق بالسيارة سابقا.
جدير بالذكر أن مقاطعة عفرين ذات الغالبية الكردية هي واحدة من مقاطعات الإدارة الذاتية الثلاث في سوريا التي أعلنت حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM الكردية عن تشكيلها مطلع العام الجاري دون أن تحظى بأي اعتراف رسمي من أي دولة.
ويتبع لعفرين 360 قرية، وارتفع عدد سكانها من حوالي 650 ألف نسمة قبل اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في مارس/آذار 2011، إلى أكثر من مليون نسمة بحسب ناشطين سوريين، بعدما توجه نازحون من مناطق سورية أخرى إليها كونها لا تتعرض عادة لقصف من قوات النظام السوري.