تعتبر سوريا بالنسبة للمسيحيين الأرض التي انطلق منها التبشير المسيحي إلى كافة أنحاء العالم، واحتضنت الكنيسة الأولى منذ عهد تلاميذ السيد المسيح، وفيها مجموعة من الكنائس هي الأقدم في العالم، إن نسبة المسيح في سوريا لاتتجاوز %12من نسبة السكان، لذلك تأثر المسيحيون في ظل الحرب القائمة بها، وكان لا بد لهم أن يقاوموا ليحافظوا على وجودهم داخلها مع مقدساتهم الدينية.
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، انقسم المسيحيون حسب موقفهم منها ثلاثة أقسام: (المؤيد للنظام، المعارض له، المحايد)، لكن النظام السوري حتماً لم يفرق بينهم فنالوا نصيباً وافراً من التهجير والقتل والتعذيب، مع تدمير منازلهم وكنائسهم في مختلف المدن السورية الماكثين فيها.
أمام حشد في ساحة القديس بطرس أشار البابا فرنسيس مؤخراً إلى أنه “يتابع بقلق شديد المصير المأساوي للسكان المدنيين المحاصرين في سوريا والذين اضطروا للتخلي عن كل شيء كي يفروا من أهوال الحرب”، آملا ومناشداً العامة أن تقدم المساعدات الضرورية بفضل التضامن العالمي السخي من أجل ضمان بقاء وكرامة اللاجئين” .
بعد الهجوم المسلح على المظاهرات السلمية من قبل النظام التي شارك فيها المسيحيون ومن أشهرهم ميشيل كيلو الذي طالب بإقامة دولة ديمقراطية مدنية، يكون فيها تداول السلطة أمراً أساسياً يحدده صندوق الانتخابات.
وانحسر دور الشباب المسيحيون في مساندة الثورة السورية، واقتصر على بعض المواقف بشكل غير مباشر، كإعلان مناهضتهم للنظام على الانترنت، وعدم زج شبابهم في صفوف الملتحقين بخدمة العلم، أو تشكيل كتائب مسلحة تابعة للمعارضة المسلحة خفية، إضافة لهجرة الكثير منهم لخارج سوريا، للنجاة بحياتهم من جهة، وعدم الانخراط بساحة الصراع السورية، لأنها على حد زعمهم قضية قتال بين الجيش النظامي والجيش الحر.
ما لا يقل عن 450 مسيحياً في السجون التابعة لنظام الأسد، وأكثر من 49 كنيسة مدمرة بالكامل منذ بداية النزاع، بحسب ما نشر المرصد الآشوري لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة العدالة من أجل المعتقلين في سورية على صفحة إذاعة الفاتيكان نهاية العام الماضي.
ومن ضمن الضحايا المسيحين الذين سقطوا على أيدي النظام بطرق متباينة ( الناشط والمخرج السينمائي باسل شحادة تحت القصف في حمص وهو منها، حسام ميخائيل المره قُتل بعد انضمامه للمعارضة المسلحة بحمص، الأب باسيليوس نصار بحماة، قتلته أحد الجماعات التابعة للنظام)، رغم هذا بقي معظم رجال الدين المسيحين على موقفهم الداعم للنظام الأسدي نتيجة خوفهم، فهم من الأقليات في سوريا.
تعرض المسيحيون لانتهاكات بعد دخول الدولة الإسلامية إلى الحرب السورية، فقد أشار المرصد المذكور سابقاً إلى وجود حوالي 150 مسيحياً ما يزالون حتى يومنا هذا محتجزين على يد تنظيم الدولة الإسلامية بينهم الكاهن اليسوعي الإيطالي باولو دالوليو، وأسقفا حلب للسريان الأرثوذكس غريغوريوس يوحنا ابراهيم وللروم الأرثوذكس بولس اليازجي، واللذين اختُطفا في أبريل 2013 ولم يعرف عنهما شيئا حتى اليوم.
إن الحرب السورية لم تدمر الإنسان فقط، بل دمرت الحضارة، ومثلما طال قصف النظام مساجد تاريخية، تعدى أيضاً قصفها الكنائس القديمة والتي تعتبر رمزاً مقدسا عند المسيح، منها( كنيسة أم الزنار بحمص، كنيسة الأرمن في كسب)، لم يتوقف الأمر على تدمير الكنائس وحرق بعضها، بل حول كنيسة وكاتدرائية لثكنة عسكرية يستهدف منها المناطق المدنية في ريف دمشق، بحسب تقرير أعده “اتحاد تنسيقيات الثورة السورية”.
ليس بغريب أن يضطهد نظام الأسد المسيحيون ولو كانوا من الأقليات، طالما أنهم من نسيج التركيبة السكانية في سوريا، ووقف بعضهم صامدا بوجه تحديات فرضتها الأزمة السورية، كونهم شكلوا على مر التاريخ نموذجاً للقدرة على الاندماج في المجتمع والتعايش مع كافة الثقافات والأديان في سوريا.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري