في الحادي عشر من شهر يناير الجاري، كشفت الشرطة البلجيكية عن المسدس المتنكر على هيئة هاتف “آيفون”، ونقلت صحيفة “ديرنيير هوير” البلجيكية المحلية بيانا عن الشرطة قالت فيه “إنها في حالة تأهب قصوى منذ تم الإعلان عن تصنيع الهاتف”.
تصريح الشرطة البلجيكية أثار مخاوف جدية تجاه هذا السلاح، حيث قالت في البيان ذاته “بالعين المجردة لا يمكن تمييزه مطلقا، وفي الوقت الحالي معظم الناس يمتلكون الهاتف الذكي، لذلك يمكن تمريره تماما”.
ويشهد مجال تصنيع الأسلحة في العالم كغيره من المجالات، تطورا تكنولوجيا كبيرا يوما بعد يوم، وهنا قد يظن البعض أن ذلك يقتصر على تطوير المعدات القتالية والأسلحة الثقيلة المستخدمة في الحروب فقط. لكنه امتد إلى الأسلحة الخفيفة التي غالبا ما تقتصر على الاستخدامات الشخصية؟
مسدس آيفون الذي شهدنا الكشف عنه مؤخرا، يعتبر سلاحاً فرديا تكنولوجياً غريباً من نوعه، قد يكون سببا في زيادة معدلات الجريمة، ويستطيع تقديم مساحة من المراوغة للمجرمين مع أجهزة الأمن لخداعها، ومن الممكن أن يكون أيضا الوسيلة المثلى للدفاع عن النفس، بحسب الخبراء؛ ويتميز بخاصية الطيّ، مما يؤدى إلى تصغير حجمه ليصبح مماثلا للهاتف الجوال.
السلاح المثير للذعر لم يُبعْ حتى الآن بشكل رسمي، ومن المتوقّع أنه سوف يتوفر قريبا في الولايات المتحدة الأميركية بشكل مبدئي، ومن المرجح أن يصل الأسواق الأوروبية في أيّ وقت بعد ذلك، بطرق غير مشروعة على الأغلب.
رشاشات ومسدسات رخيصة
وضعت أقسام الشرطة في القارة العجوز، تحذيرات من السلاح الجديد الذي يمتلك القدرة على التخفي والمرور بسهولة من الأجهزة الأمنية، ويمكن أن يتسبب بتهديدات إرهابية في البلدان الأوروبية التي تعاني أصلا من العديد من الهجمات بين الحين والآخر، وخصوصا في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
في بلجيكا، الحصول على قطعة سلاح هو أمر ليس بالمعقد، حيث يمكن بـ500 يورو فقط شراء رشاش كلاشنيكوف، وبـ150 يورو شراء مسدس، ولو عدنا بالذاكرة إلى تاريخ 22 مارس 2016 حين وقعت العديد من الهجمات المتزامنة بالعاصمة البلجيكية بروكسل، استهدفت نقاطا حساسة عدة بينها مطار زافينتم، ومحطة لقطار الأنفاق وسط ما يعرف بالحي الأوروبي وتحديدا بين مقري المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي. أوقعت الهجمات حينها 34 قتيلًا وأكثر من 135 جريحا، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.
كانت الأسلحة المستخدمة في تلك الهجمات من دول البلقان، وهو المكان المفضل لتنظيم داعش للحصول على عتاده العسكري الخاص بتنفيذ الهجمات الإرهابية في البلدان الغربية.
وتواجه أوروبا في الوقت الحالي تحديات أمنية شديدة الصعوبة مع تكرار الهجمات الإرهابية ضدها في الفترات الأخيرة، وسط توقعات بعدم انتهاء هذه الهجمات في الوقت القريب. كل ذلك تم في ظل تداول السلاح وبيعه بطرق غير شرعية وبأثمان بخسة، خاصة تلك الأسلحة التي تهرّب من دول أوروبا الشرقية، كما حدث في هجمات شارلي إيبدو، حيث كشفت التحقيقات الفرنسية أن البنادق المستخدمة تم شراؤها من سلوفينيا. أما هجمات باريس التي وقعت في شهر نوفمبر العام 2015 فقد كانت برشاشات زاستافا، وهي صربية المصدر.
وكالة “سبوتنيك” الروسية، تقول إن الشرطة البلجيكية ليست هي الوحيدة التي تعيش هاجس الخوف من مسدس الآيفون الجديد، بل إن جميع البلدان الأوروبية تعيش المصاب نفسه.
واليوم رفعت السلطات الأمنية أعلى مستويات التأهب لمواجهة هذا السلاح الجديد، الذي يحلم به الكثير من الخلايا النائمة لتنظيم الدولة، لتنفيذ عمليات اغتيال نوعية، وقد تمس شخصيات سياسية مؤثرة، وأيضا هو وسيلة لبث الذعر بين العامة.
مسدس بميزات عالية
مسدس الآيفون، يحمل ميزات متطورة في مجال الأسلحة الفردية، فهو مزدوج الماسورة، ويمكنه إطلاق رصاصتين من عيار 380 عالية السرعة، بالإضافة إلى خاصية التصويب بأشعة الليزر، وقبضة المسدس يمكن طيها بمرونة لإخفائه.
الشركة المصنعة ومقرها في ولاية مينيسوتا الأميركية، تقول إنها تلقت حتى الآن أكثر من 12 ألف طلب شراء للمسدس، وقد حددت منتصف العام الجاري لطرحه بشكل رسمي في الأسواق، بسعر يقدر بحوالي 395 دولارا أميركيا، والتوزيع لن يقتصر على السوق المحلي الأميركي، بل الإنتاج الحالي للمسدس يعمل على تغطية بعض الأسواق الأوروبية، وهنالك خطة للأعوام القادمة بأن يتوسع الإنتاج لتغطية بقية الأسواق في العالم.
السيناتور الأميركي تشارلز شومر كان قد دعا في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا بمكتبه في مدينة نيويورك إلى فتح تحقيق فوري حول المسدس المتنكر بهيئة هاتف آيفون.
وقال شومر وهو يقف إلى جانب صورة للسلاح الجديد بأنه “كارثة في انتظار أن تحدث”، وأضاف أن المسدس يشكل خطرا على الشركة المنتجة له، وعلى الجمهور أيضا.
استند السيناتور شومر إلى القانون في هجومه على مسدس الآيفون، وأضاف أن السلاح ينتهك القوانين الاتحادية، ودعا وزارة العدل ومكتب الكحول والتبغ والمتفجرات للتحقيق في ما إذا كان هذا السلاح من شأنه أن ينتهك القوانين الاتحادية، كما طالب تشارلز شومر بفتح تحقيق فوري مع صاحب الشركة كيرك كجيلبرغ.
وقد كتب شومر مقالة صحافية عن الموضوع، وأوضح أن هناك نوعين من القوانين الاتحادية، الأول يحتمل أن ينتهك، لأنه يسمح للمتهم بالدفاع عن خطيئته لتبدو وكأنها عمل خيّر، أما النوع الثاني فهو يقوم بتوجيه الاتهامات على وقائع حقيقية، وهنا لا يستطيع المتهم الدفاع عن جنايته، ومثال ذلك أن مسدس الآيفون غير قابل للكشف عند مروره على الأجهزة مثل تلك الموجودة في المطارات.
نائب مدير الاتصالات في التحالف من أجل وقف العنف المسلح بالولايات المتحدة أندرو باتريك قال إن ”هذا السلاح ليس خطيرا فقط، لكنه أيضا غير مسؤول”.
طفل وراء فكرة السلاح الجديد
الوكيل الخاص السابق في مؤسسة الفكر العربي ماثيو هوراس، توقع أن تكون للاختراع الجديد عواقب وخيمة، حيث قال “إذا جاء إنفاذ القانون على السماح بإنتاج وانتشار هذا السلاح، فحتما سوف تكون النتائج مأساوية”.
روبرت فاراغو المتخصص بشؤون تقصي الحقائق عن الأسلحة النارية، من المتحمسين والمتخوفين من السلاح الجديد في ذات الوقت، ومخاوفه تتمحور حول ما إذا كان هذا المسدس سوف يزيد من معدل الجريمة والانتقام في المجتمع الأميركي، أم هو سلاح للدفاع عن النفس فقط.
صاحب فكرة سلاح الآيفون كجيلبرغ دافع عن ابتكاره الجديد خلال حديثه مع شبكة فوكس التلفزيونية، وقال إن مسدسه يتكون من البلاستيك المقوّى والمعادن، ويمكن لأجهزة الكشف الأمنية التعرف عليه، كما أضاف كيرك أنه يعمل حاليا مع وزارة الأمن الداخلي لتدريب موظفي المطار بشكل صحيح ليستطيعوا التعرف على المسدس من خلال أجهزة الأشعة السينية.
وفي ذات المقابلة التلفزيونية مع شبكة فوكس، أوضح كيرك أن فكرة ابتكار مسدس الآيفون، جاءته عندما كان يحمل مسدسه المرخّص في خصره بشكل مخفيّ بأحد المطاعم الأميركية، ولكنه عندما جلس على كرسيه طويت سترته وانكشف المسدس، فرآه طفل كان بصحبة والدته، وصرخ مذعورا “أمي أمي إنه يحمل مسدسا”.
يقول كجيلبرغ “أنا لم أدخل هذا العمل من أجل المال، فشغفي من وراء هذا الابتكار كان تسليح كلّ من يريد حمل السلاح. وأن يكون قادرا على اكتساب الثقة وفخورا بنفسه، فمن الضروري حيازة الأسلحة هذه الأيام، لكن حملها في مكان مثل محل العمل قد يصبح غير مريح للآخرين، ولتفادي كل ذلك نحن نعطي الناس فرصة لإخفائه، ويكون غير مزعج للنظر وخصوصا لأطفالنا الصغار”.
حينها ذكّر مذيع قناة فوكس الإخبارية ضيفه كجيلبرغ، بحادثة شهيرة وقعت في أميركا في العام 1999، وهي حادثة قتل المهاجر الغيني أمادو ديالو من قبل أربعة ضباط في مدينة نيويورك، عندما ظنوا أنه سحب مسدسا من جيبه، ولكنهم اكتشفوا بعد قتله أنه كان ينوي إخراج محفظته السوداء وإعطائها لهم، وعندها تساءل المذيع “قد يكون الهاتف الخليوي للمشتبه به في الواقع مسدساً يعمل، وسلاحاً موجّها للشرطة”، أجاب كيرك بجملة واحدة وهي “هذا النوع من الارتباك غير المحتمل”، وأردف بالقول “اختراعي هو للمواطنين الملتزمين بالقانون، وليس المجرمين، أنا لا أعتقد أنه سوف يسبب أيّ مشكلات طالما سوف يكون تحت نظر هيئة متابعة المستهلكين، ولن يخترق المنتج قوانين الدولة المعمول بها”.
المئات من الرسائل الإلكترونية تصل إلى كجيلبرغ يوميا، وجميعها يسأل عن كيفية شراء المسدس الهاتف على حد قوله، وهو يرى أن هناك إقبالا كبيرا من الناس الذين يرغبون في جعل حماية أنفسهم من أوّلياتهم، لكنه في الوقت ذاته ينصح مقتنيي السلاح الجديد، بوضعه بعيدا عن متناول الأطفال.
العرب اللندنية