غازي دحمان/ الحياة
رغم أن عام 2015 يبدأ بمبادرة سياسية للحل في سورية، إلا أن مؤشرات عديدة تؤكد أن مسار الحل السياسي ما زال بعيداً عن النضوج، بسبب عدم جهوزية الأطراف لتقديم تنازلات في هذه المرحلة وتمسكها بتفسيرها للعملية السياسية ونتائجها، ما يؤدي الى إختلاف في توقعات كل طرف وتقديراته.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الأزمة السورية سيتم وضعها في موقف إختباري جديد وقاس نظراً لعدم نضج الظروف المناسبة للحل، ولعدم قدرة الرعاة على وضع تصورات متماسكة للحل وآليات قادرة على إنجازه، وبالتالي فإن التسرع في طرح مثل هذه المبادرات ستكون أضراره أكبر من منافعه. بإختصار هي محاولة لإضافة إنتكاسة جديدة في مسار الأزمة أو لبناء جدار إضافي في بنيتها.
هذا يعني أيضاً أن تصريفات هذه الإنتكاسة في الحل ستنعكس بدرجة كبيرة على الأرض، وبخاصة لدى شعور الأطراف بأن الحل بعيد وأن من الأفضل اللجوء إلى وسائل ومقاربات أخرى لأن الحرب حتماً ستكون مديدة، والمعروف في تاريخ النزاعات أن جولات التفاوض الفاشلة غالباً ما تكون لها نتائج سلبيّة على الأرض، وقد تجاوزت الخبرة الديبلوماسية هذا الدرس، وهو ما يعمق الشكوك في الحراك الروسي في ظل هذه المعطيات والظروف.
على ذلك فإن انعكاسات هذه الإنتكاسة على المعارضة يتوقع أن تترجم من خلال إبتعاد الأطر السياسية للمعارضة، بمختلف تصنيفاتها، عن القوة الفاعلة على الأرض، بما يعنيه ذلك من تحطيم قنوات التواصل وآليات التنسيق، رغم أنها تعاني من مشكلات كثيرة في الوقت الراهن. والمتوقع أن ينسحب هذا التفكك على القوى العاملة على الأرض ويعمل على زيادة حدة الإستقطاب والفرز بينها، بحسب قربها ومواقفها من المعارضة السياسية المنخرطة في مفاوضات موسكو. والتقدير في هذه الحالة أنّه سيصار الى تقوية الأطرف الأكثر تشدداً مثل «جبهة النصرة» على حساب الفصائل والتشكيلات المعتدلة، حيث يتوقع أن يكون «الجيش الحر» أكثر المكونات تأثراً بل أنّه قد يصبح أثراً بعد عين، وهو ما من شأنه التأثير على جبهات يملك فيها «الحر» أفضلية كجبهة الجنوب التي تعد بحسب معظم المؤشرات الجبهة التي باتت تشكل الخطر الداهم على نظام الاسد في سنة 2015.
بالمقابل، لن تسلم بنية النظام من شظايا هذه التحولات، بخاصة أنّها باتت تفتقد حالة التماسك التي تميّزت بها طوال مرحلة الصراع الماضية، وثمة مؤشرات على بروز خطوط نزاعات عديدة من المتوقع ان تتعمّق في قلب بنية النظام، بسبب الإختلاف في مقاربة الحرب والتعاطي معها، وبخاصة مع بروز توجّهات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الخسائر الكبيرة في بيئة النظام وظهور حالات للإلتحاق بجبهات القتال، والأهم من كل ذلك ظهور توجّهات جديدة الى ضرورة الإنفكاك عن الحالة السورية واللجوء الى الساحل وترك سورية ومصائبها، وبخاصة في ظل ظهور محفّزات تدعم هذا التوجه عبر الإكتشافات الكبيرة للنفط والغاز في الساحل، مقابل الوصول إلى قناعة بعدم جدوى الحرب في البر السوري وتالياً إفتقاد مبرر الخسائر البشرية الكبيرة في بيئة النظام.
على ذلك يتوقع هذا العام أن تزداد حالة التشظي في الميدان وحصول نوع من الفوضى وبخاصة في الأرياف حيث يتوقع ان تشهد خروجاً نهائياً عن سيطرة النظام وما قد يتبعها من خروج بعض المدن الريفية من تحت سلطة الاسد مثل درعا والقنيطرة وادلب ودير الزور وإلتحاق الحسكة بسلطة الاكراد، وتحول بعض المدن، مثل دمشق وحلب وحمص إلى حرب على أبنية وحارات بين أطراف عديدة وذلك في مقدمة لتحديد خطوط القتال، وهذه المرحلة يتوقع ان تعقب إنجاز المعارضة المسلحة سيطرتها على الريف وتراجع قوات الأسد وتحصّنها في المدن، وستكون هذه المرحلة أقسى مراحل الحرب السورية وأكثرها ضراراً لناحية آثارها التدميرية، مع تحوّل الريف إلى فضاء مهمل ومشتّت.
ضمن هذا السياق لن يكون بعيداً حصول صراعات طائفية، خارج حالة الصراع بين العلويين والسنّة، إذ ثمة مؤشرات عديدة ظهرت في 2014 عن تبلور سياق لصراع درزي – سنّي عبر جملة من الصدامات المتفرقة، وكانت قد جرت محاولات عديدة لضبط الصراع بين الطرفين وبخاصة في السويداء ودرعا وقرى ريف دمشق القريبة من السفح الشرقي لجبل الشيخ والقريبة من القنيطرة، ومع إزدياد درجة التسلح في هذه المناطق وزيادة نسبة التوتر في ظل الفوضى الضاربة والتحريض الذي تمارسه استخبارات الأسد لتخفيف الضغط عن دمشق فإنّه يتوقع ان يتشكل مناخ وبيئة جاذبة للصراع، وبخاصة مع توافر إمكان حدوث صراعات موضعية في نقاط التماس الكثيرة وامكان التوسّع لتشمل مناطق أخرى وتنعدم إمكانية ضبطها والسيطرة عليها في ظل عدم توفر آليات، حتى على المستوى العشائري، لإحتواء النزاعات.
في الغالب سيزداد في سنة 2015 تهميش القضيّة السورية على المستويين الإعلامي والسياسي، كما أنّ جهود الأطراف ستتركز في المرحلة المقبلة على أهداف أقل من نوع حصر تمدّد «داعش» ومنع إنتقال المخاطر الى الدول المجاورة، وسيستمر النزوح السوري بدرجة أكبر نتيجة ازدياد الفوضى وعدم توافر الخدمات والشروط الإقتصادية المناسبة. إجمالاً فإن حظوظ التأزم والتشظّي والفوضى تبدو متوافرة في الواقع السوري مع بداية سنة 2015. وحده الحل يفتقد الافق والأرضية المناسبة.