أكدت دراسة أصدرها مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا أن التقلبات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط، ودخول روسيا إلى الساحة كلاعب محوري، دفعت الحكومة التركية إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية في المنطقة عبر توثيق علاقتها مع الدول السنية المعتدلة وعلى رأسها السعودية وقطر.
وقالت الدراسة التي أعدها الدكتور حاي إيتان كوهين الخبير في الشأن التركي، إن أنقرة تحولت تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان إلى لاعب فعال في المنطقة، وقد بدأ هذا التحول منذ عام 2007 حين حاولت تركيا التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين بهدف إقامة دولة فلسطينية، وبعد ذلك بعام لعبت تركيا دور الوسيط في المفاوضات بين إسرائيل وسوريا. وهذه السياسة سمحت لتركيا بأن تكون لاعبا إقليميا مهما.
واستعرض الباحث الإسرائيلي التغييرات التي حدثت في السياسة الخارجية التركية تجاه إسرائيل منذ العام 2009 في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حينها دفع الضغط الكبير الذي مارسه الشارع التركي الحكومة إلى إعادة صياغة موقفها تجاه إسرائيل، وعلى هذا الأساس اعتبرت تركيا إسرائيل مسؤولة عن تصعيد الوضع في غزة، ما تسبب في توقف محادثات السلام السورية الإسرائيلية.
وأضاف إيتان كوهين إن تركيا فضلت الوقوف إلى جانب الشعوب العربية عند اندلاع الربيع العربي، وطالبت بإسقاط الأنظمة الديكتاتورية، وسارعت إلى إعلان تأييدها للإخوان المسلمين سواء في مصر أو في ليبيا، كما وقفت علانية إلى جانب الشعب السوري في سعيه لإسقاط نظام بشار الأسد الديكتاتوري.
لكن السياسة الخارجية التركية الداعمة للشعوب العربية، كما يقول إيتان كوهين، تعرضت لضربة قوية بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي ضد الرئيس السابق محمد مرسي، وتعثر إسقاط نظام بشار الأسد.
وتابع الباحث الإسرائيلي إن تركيا سعت في سبيل مواجهة هذه التغييرات إلى تعزيز علاقتها مع المملكة العربية السعودية، وانضمت إلى التحالف الإقليمي السني في الحرب على الإرهاب، وهو التحالف الذي يستهدف توحيد جميع الدول السنية لمواجهة التهديد الذي تمثله إيران وحلفاؤها الشيعة.
ولفتت الباحث إلى أن تركيا اضطرت إلى الدخول في مواجهة جديدة وهذه المرة من جانب روسيا المورد الأول للغاز الطبيعي إلى تركيا، بعد التدخل العسكري الروسي لصالح الأسد وحلفائه، وهي الواجهة التي استعرت بعد إسقاط المقاتلات التركية لطائرة روسية اخترقت المجال الجوي التركي. واضطرت تركيا إلى مواجهة الإجراءات العقابية الروسية بوقف التعاون في مجال تصدير الغاز، وإلغاء إقامة مفاعلات نووية، كما اضطرت إلى مواجهة حملة الدعاية الروسية بأنها تدعم تنظيم داعش الإرهابي.
وخلصت الدراسة إلى أن الظروف الجيو سياسية المتغيرة، ونتائج الربيع العربي، ودخول روسيا إلى المنطقة كلاعب محوري، أجبرت تركيا على أن تعيد صياغة سياستها الخارجية، فوثقت علاقتها مع الدول العربية السنية وعلى رأسها السعودية، كما عمقت علاقتها مع دولة قطر، واستأنفت مباحثات المصالحة مع إسرائيل التي تعد مصدرا بديلا محتملا لتزويد تركيا بالغاز بدلا عن روسيا التي تحولت من دولة عظمى صديقة إلى خصم.
ترك برس