طالت سنوات الحرب وطال معها الحلم بالعودة إلى بناء حياة جديدة من بين آثار الدّمار الذي خلّفته معارك النظام يوماً ما، لكنّه سيبقى محفوراً في أذهان النّاس وشعورهم، دليلاً على مدى إجرام النظام وميليشياته الفتّاكة، فقد تكون العودة حلاً لا خلاص منه، بعد أن عانوا من آلام ومرارة التهجير واللجوء.
زاهدة ذات الـ35 عاماً، لم تكن حياة اللجوء سهلةً أبداً بالنسبة لها في لبنان، كانت تربي خمسة أطفال بمفردها منذ أن فُقد زوجها بعد سنوات قليلة من الحرب، تقول ” الوظائف شحيحة في لبنان والإيجارات مرتفعة”، لكن العودة إلى الدّيار بريف حماة، جلبت معها تحدّيات جديدة.
راحت زاهدة تصف المكان والحال التي آل إليها بقولها “الدّمار لا يوصف، ففي البداية لم أستطع التعرّف مجدداً على مدينتي” إذ تحوّل منزلها المكوّن من طابقين إلى ركام، وعلى الرغم من استضافة أقاربها لهم، لم يكن هناك نوافذ أو أبواب في غرفهم التي يعيشون بها.
تضيف زاهدة سرد معاناتها “لم يكن هناك ماء ولا كهرباء، شعرنا وكأننا في العصر الحجري”، عادت إلى بلدتها لأنّ الحياة كان لها أثر كبير على أطفالها، فابنها ذو الرّابعة عشر من العمر، ترك مدرسته لإعالة أهله ولم يستطع أن يجني مالاً كافياً لمساعدة إخوته الصغار في إكمال دراستهم، ما أدى بهم للخروج عن مقاعد الدراسة أيضاً.
تحول بيت العائلة المنكوبة إلى أنقاض، يتدلى فيها درج من الحطام كأنّه عقرب ساعة حائط، تمسك به بعض أسياخ الحديد، المشهد الذي ألقى بأثره على زاهدة بقولها “عندما رأيت ذلك، كانت واحدة من أتعس اللّحظات في حياتي”.
ليست زاهدة الوحيدة في ألم الغربة التي قطعت خيوط الأواصر مع الأهل والأقارب، بل مثلها مثل معظم السوريين الذين تقاذفتهم أمواج البحار، وجغرافية العالم الكبير، فأحمد شابّ آخر وصل لعمر التأهّل والزّواج وبناء أسرة، لكن مرارة الحال وضعف المادّة حالتا دون تحقيق حلمه بتأسيس عائلة وملاعبة أطفاله.
قرّر أحمد التّخلي عن غربته الّتي مزّقته طوال تلك السنين والعودة إلى أهله رغم المصاعب التي قد تواجهه في أيّ لحظة، فحلم الحياة ولقمة العيش قضيا على جميع أحلامه في بلد اللّجوء، رغم الرّضى ولو بفتات الخبز.
قصة خبرية بقلم: طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع