لا علاقة للأطفال بالحرب التي تدور في سوريا، لكنهم تحملوا الجزء الأكبر من المعاناة و التضحيات و المأساة ، جيل كامل من الأطفال لم يعرف شيئًا من طفولتهم سوى الحرب و النزوح و التشرد و العيش في مخيمات النزوح ، بعيدا عن مقاعد الدراسة .
منذ بدايات الثورة في سوريا، استخدمت قوات النظام السوري مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة ضد أبناء الشعب السوري، تسبب ذلك في تضرر مليونين وتسعمائة وخمس وأربعون ألفا (200945) مليون مبنى ما بين منزل سكني ومدرسة ومسجد وكنسية ومشفى، قرابة العشرين بالمئة ( 20 %) منها مدمر دمار تام ولم يبق منها سوى الحطام أي ما يعادل 589 ألف مبنى .
من أصل 200945 مليون مبنى مدمر أو متضرر في سوريا، تم توثيق ما لا يقل عن ثلاثة آلاف وثمان مئة وثلاث وسبعين (3873) مدرسة إما مدمرة بشكل كامل أو متضررة بأضرار نسبية .
من بينهم ما لا يقل عن أربع مئة وخمسين (450) مدرسة مدمرة في الكامل أغلبهم في محافظة حمص وريف دمشق وحلب .
و هذه المدارس مدمرة بشكل شبه كامل ولا يمكن ترميمها، وما تبقى، أي ثلاثة آلاف وأربع مئة وثلاث وعشرين (3423) مدرسة فهي بين متضررة بشكل متوسط أو أضرار نسبية في الإمكان إعادة ترميمها وإعادة تشغيلها، وقد تحول البعض من هذه المدارس المتضررة نسبياً، إضافة إلى مدارس أخرى بما يقارب ألف وخمسمئة (1500) مدرسة، من بين (3423) مدرسة متضررة نسبياً، إلى مأوى للنازحين داخل الأراضي السورية، وفي تقرير لمديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب أن أكثر من (210) ألف طالب وطالبة اليوم هم متسربون خارج مقاعد الدراسة بسبب النزوح وعدم استقرار الأوضاع المعيشية في الشمال السوري .
وبعد تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في الشمال السوري للدكتور “أيمن السايح ” بتاريخ (9-7-2020)، قامت مديرية التربية والتعليم وكافة المنظمات الإنسانية العاملة في مجال التعليم بإغلاق كافة المدارس كخطوة احترازية لتخفيف الاختلاط ومنعاً لتفشي الفيروس.
كل ما ذكر سابقاً كان كفيلاً بدفع عجلة التعليم نحو الخلف وزادت المخاوف من نشوء جيل يغلب عليه طابع الجهل .
يحدثنا الأستاذ “بلال العبد الله” (مدرسة لغة عربية)، أكثر من 17عاماً، وأنا أعمل في مجال التعليم، أحضر دروسي، أركب دراجتي، أتحمل حر الصيف وبرد الشتاء، أذهب إلى المدرسة كالعادة، لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن يتغير الروتين اليومي في عملي وأنا في صفوف المدرسة، أما اليوم، نحن أمام تحدٍ حقيقي في متابعة التعليم .
أعمل مع منظمة “كش ملك”، وقد أطلقنا مشروع ” التعليم عن بعد ” لسد الفراغ الذي خلفه إغلاق المدارس بعد انتشار فيروس كورونا، تحضير الدروس، وتصويرها و إرسالها على مجموعة الواتساب، ومناقشتها مع الطلاب وحل الوظائف والتمارين، لكن ضعف الإنترنت عن معظم الطلاب، وعدم قدرة الأهالي الطلاب على شراء موبايل للمنزل، كلها عوائق تقف أمامنا لنواصل عملنا بشكل منتظم، نحسب بالتعب أكثر من الذهاب للمدرسة وإعطاء الدروس ضمن الصف، لكن عندما نرى شغف الطلاب وتفاعلهم معنا على المجموعة، ينتابنا شعور بالراحة والرضى، ونعزي أنفسنا بأننا لم نقف عاجزين أمام الواقع الذي حل بنا .
“ناديا المحمد” طالبة في الصف الرابع لدي وهي من مدينة مورك بريف حماه الشمالي، عانت كثيراً من النزوح وانقطعت أكثر من عامين عن المدرسة خلال فترات النزوح المتقطعة، لم تكن من الطلاب المتفاعلين ضمن الصف، وكانت قليلة المشاركة أثناء الدروس، لم تكن تستطيع القراءة بشكل جيد .
“ناديا” اليوم تراسلني على الخاص عبر الوتسآب وترسل لي مقطعاً صوتياً كاملاً تقرأ فيه الدرس بكل طلاقة، عندما أباشر الدرس تكون من أوائل الطلاب الحاضرين ضمن المجموعة، تنتظر الدرس بفارغ الصبر، ينتابني شعور رائع بعد ذلك .
ومن الأشياء الجميلة أيضاً أن معظم الطلاب -ضعفاء التحصيل العملي – زادت مشاركتهم أثناء التعلم عن بعد، فيرسلون الإجابات ضمن المجموعة حتى وإن لم تكن صائبة، المهم أن يظهر صوتهم ويشاركوا بالدرس على المجموعة، ويقلدوا زملائهم الأذكياء .
لقد فقدنا الكثير والكثير خلال الأعوام الماضية .. ويبقى الأمل الأكبر في الأجيال الصغيرة والناشئة، فإن تمكن هؤلاء الأطفال من الوصول الى حقهم في التعليم، فعسى يأتي المستقبل المنشود، بما طال انتظاره من نهاية للحرب، وإنقاذ أجيال جديدة من الضياع .
بقلم : حسام الأسود