يجلسُ أبو عبد الرحمن واضعاً يدهُ على خدهِ وشارداً في مشاغل الحياة وهمومها، تغلب عليه علامات الحيرةِ واليأس، بينما ينتظرُ رفاق سلاحهِ ليذهبَ إلى جبهاتِ الزاوية ويمضي هناك عدة أيام مرابطاً على الثغور.
في غصةٍ وحرقة، يقول أبو عبد الرحمن “سأذهبُ لا أدري هل أعود أم لا، وخلفي أطفال وزوجة ينتظرون قدومي لتأمين الطعام والمستلزمات لهم، وفي كل مرة أذهب فيها أتركهم وحيدين، ومعهم القليل من النقود لا تتجاوز 100 ليرة تركية في أفضل الأحوال”.
أبو عبدالرحمن، كغيره من المرابطين يغارون على بلدهم وأرضهم، ويزودون بأرواحهم ودمائهم حفاظاً على أمن المناطق المحررة، لكن حديثه كان يحمل عتباً كبيراً إذ يقول “نحن خرجنا لله وللدفاع عن أهلنا وأرضنا، وليس لنا في ذلك مناً على أحد، لكن عتبي على من يبخل في البذل على المرابطين والعطاء لهم، فمرتب شهري أو منحة لا تتجاوز ال 400 ليرة في أحسن الأحوال لا تكفي عوائلنا التي تنتظرنا في الخيام”.
ويتابع حديثه فيقول “قضيناً ليالٍ قاسيةً جداً في فصل الشتاء، ولا يزال الجو بارداً في الليل، وكانت كل ليلةً أقضيها في الثغور تعادل ألف سنة، ألا يستحق هذا العناء مكافأة تأمن لعوائل المرابطين حياة كريمة! ولكن لا حياة لمن تنادي، وهذا الاستهتار بالجنود المرابطين ليس أمراً حسناً بالنسبة للمناطق المحررة، ولا أريد أن أدخل في مقارنات بين رواتب موظفي المنظمات ورواتب المرابطين على الثغور”.
يعيش أبو عبد الرحمن مع أطفاله الثلاثة وزوجته في مخيم للنازحين قريباً من مدينة سرمدا شمال إدلب، يعتمدون على سلةٍ إغاثية يستلمونها شهرياً في المخيم، وعمل مياومة يعمل به أبو عبدالرحمن عندما يكون في المخيم، لكن ذلك كما يقول “غير كافٍ، فمستلزمات الحياة اليومية باتت مكلفة مع ارتفاع الأسعار”.
رواتب عناصر “الجيش الوطني” تنتهي من أول يوم
ليس الحال مختلف في مناطق ريف حلب الشمالي الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني”، عما هي عليه في معظم نقاط الرباط في إدلب وحتى الحراسة بجانب النقاط التركية الواقعة فيها، جميعُ العناصر في تلك النقاط يشتكون من الراتب الزهيد وارتفاع الأسعار.
“محمد.ح” أحد عناصر “الجيش الوطني” يأتي من محافظة إدلب إلى منطقة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، للرباط هناك مدة أسبوعين متواصلين على إحدى جبهات قرى الباب مع قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ورغم بعد المسافة والوقت الطويل للمناوبة الشهرية إلا أنه يضطر لذلك نظراً لنذرة فرص العمل في الشمال السوري.
يحكي محمد عن تفاصيل رحلته من إدلب إلى مدينة الباب قائلا “اضطر للمشي ما يقارب الساعة في بعض الأحيان، وفي الأخرى اتنقل بين عدد كبير من السيارات للوصول إلى مدينة الباب، فأنا أخرج باكراً من إدلب ولا أركب وسائل النقل العامة بسبب ارتفاع التكلفة وحفاظاً على المال، فإذا أردت دفع أجرة مواصلات لن يبقَ لي الكثير من مرتبي الشهري”.
ثم يتابع حديثه فيقول “أتقاضى 500 ليرة تركية شهرياً بعد دوام متواصل لأسبوعين، هذا الدوام ليس سهلاً إطلاقاً حيث نمضيه في المناوبات على الخط الفاصل بيننا وبين قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ونتعرض مراراً لعمليات قنص واستهدافات بمختلف أنواع الأسلحة، مايجعل الأمر أكثر صعوبةً وإرهاقاً، بينما تلك ال 500 ليرة تركية لا تكفي شيئا على الإطلاق، وتصرف في اليوم الأول من استلام الراتب قضاء للديون الشهرية”.
تضيق أحوال هذه الفئات اقتصادياً مع قدوم شهر رمضان، فالراتب الشهري بات لا يكفي شيئاً مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير في المنطقة، عدا عن تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار والتي تتعامل بها المناطق المحررة منذ أشهر، ما انعكس سلباً على آلاف المدنيين.
إبراهيم الخطيب/قصة خبرية
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع