تتواتر المؤشرات المقلقة على تحوّل معركة استعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش إلى “مستنقع رهيب وإلى حمّام دم غير مسبوق”، بحسب تعبير أحد المراقبين قال إنّ اقتراب القتال من المدينة لا يعني أنّ المعركة الأساسية قد بدأت بالفعل، وأنّ المواجهات داخل الأحياء السكنية ستسفر عن خسائر جسيمة في الأرواح وعن دمار هائل في البنى التحتية من شأنه أن يطيل أمد المأساة لسنوات بعد نهاية المعركة.
وتتركّز المخاوف حول مصير المدنيين الذين باتوا أسرى نزاع مسلّح بين عدد كبير من الأطراف تسعى جميعها إلى تحقيق نصر في المعركة، بل إلى تحقيق مكاسب أبعد مدى من ورائها.
واشتركت القوات الكردية وميليشيات الحشد الشعبي وتنظيم داعش في استهداف المدنيين بشكل ممنهج لأغراض متعدّدة تتراوح بين الانتقام الطائفي والعرقي واستخدام الأهالي كدروع بشرية.
كما لم يسلم المدنيون من “أخطاء” القوات النظامية العراقية ومن طيران التحالف الدولي، خلال العملية العسكرية التي يبدو أنّ التحضير لها لم يول عامل تأمين السكان المحليين ما يكفي من العناية.
وعلى مدى الأيام العشرة المنقضية منذ بدء الحملة العسكرية على الموصل، سقط مدنيون ضحايا على أيدي مختلف تلك الأطراف المشاركة في الحرب.
وتتحدّث مصادر محلية عن سقوط العشرات من الضحايا بين قتلى وجرحى خلال عمليات القصف المدفعي والجوي من القوات العراقية والتحالف الدولي تمهيدا لاقتحام قرى وبلدات في محيط الموصل لم يُعطَ سكانها الفرصة الكافية لمغادرتها، كما أن عناصر داعش لم يسمحوا لهم بذلك. ومع اقتراب عملية اقتحام المدينة بدأ الضحايا يسقطون بين سكانها برصاص وقذائف القوات المهاجمة.
وأفاد ضابط في الجيش العراقي، الأربعاء، بسقوط اثني عشر مدنيا بين قتيل وجريح بقصف من طائرات التحالف الدولي على حي القاهرة بالضفة اليسرى لنهر دجلة الذي يعبر مدينة الموصل، مرجعا سبب سقوط هؤلاء الضحايا إلى إقامة تنظيم داعش لمواقعه المسلحة ومقراته داخل الأحياء السكنية.
وكان التنظيم المتشدّد قد أقدم على إعدام العشرات من سكان القرى المحيطة بالموصل خلال انسحابه منها إلى داخل المدينة فيما جرّ معه المئات من المدنيين ليتخذ منهم دروعا بشرية خلال انسحابه وأثناء إعادة تموضعه في الموصل.
أخبار موثقة بأشرطة فيديو عن تعرض مدنيين فارين من مسارح القتال للاعتقال والتعذيب على أيدي الميليشيات الشيعية
وأعلن رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي عبدالرحيم الشمري الأربعاء عن قيام داعش بإعدام 190 مدنيا في ناحية حمام العليل بعد اختطافهم من مناطق متفرقة من محيط الموصل. وأضاف أنّ عناصر التنظيم قاموا أيضا بإعدام 42 مدنيا آخرين في قرية العريج القريبة من الموصل.
وبينما أرسلت القوات الكردية من محيط مدينة كركوك رسالة بالغة السلبية من خلال إقدامها على طرد العشرات من العرب النازحين من محافظات مجاورة، الأمر الذي أثار مخاوف من ممارسة الأكراد لعمليات انتقام عرقي وتهجير جماعي أوسع مدى بالموصل التي يشاركون بفعالية في معركتها عن طريق قوات البيشمركة التابعة لهم، لا تزال مشاركة الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي في المعركة مثارا رئيسيا للمخاوف نظرا لسوابق تلك الميليشيات في مجال الانتقام الطائفي من السكان السنّة للكثير من مناطق العراق.
وتروج الكثير من الأخبار، ومن بينها ما هو مدعوم بأشرطة فيديو، عن تعرّض مدنيين فارين من مسارح القتال في الموصل وحولها إلى الاعتقال والتعذيب على أيدي تلك الميليشيات، على خلفية اتهامات جاهزة لهم بالانتماء إلى تنظيم داعش.
كما يثير توجّه تلك الميليشيات إلى قضاء تلعفر بغرب الموصل مخاوف مضاعفة كون القضاء المذكور ممرا رئيسيا للكثير من الفارين من الحرب.
وفي ناحية القيارة الواقعة على بعد ستين كيلومترا من الموصل، قال مصدر محلّي إنّ مسلحين من ميليشيات الحشد الشعبي متنكرين بزي الشرطة الاتحادية قاموا بإعدام خمسة أشخاص من أبناء قرية نعينيعة المستعادة حديثا من تنظيم داعش، وذلك على خلفية اتهامهم بالانتماء إلى التنظيم المتشدّد.
وفي غرب محافظة الأنبار المتصلة جغرافيا بمحافظة نينوى قال أحد شيوخ ووجهاء عشائر مدينة الرطبة، الأربعاء، إن الحشد الشعبي أقدم على تفجير مسجد وإحراق منازل وإتلاف سيارات تابعة لأهالي المدينة التي استعيدت حديثا من تنظيم داعش بعد أن اقتحمها فجأة خلال الأيام الماضية.
ومن جهة أخرى يمثل النزوح الكثيف للمدنيين وجها آخر للمأساة الناجمة عن الحرب في الموصل، حيث سيكون تدفق النازحين مرتبطا بعنف المعارك وامتدادها على مساحات واسعة وجبهات متعدّدة بينما تبدو الاستعادادات الحكومية لاستقبال النازحين ضعيفة وحتى منعدمة في بعض المواطن.
وقالت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، الأربعاء، إن نحو 10 آلاف شخص نزحوا من مناطق سكناهم منذ بدء الحملة العسكرية لاستعادة الموصل.
وفر النازحون من المناطق التي جرت استعادتها من قبل القوات العراقية والكردية من تنظيم داعش في محيط مدينة الموصل على مدى الأيام الماضية من الحملة العسكرية.
وتسود المخاوف على مصير نحو 1,5 مليون شخص لا يزالون داخل مدينة الموصل وسط توقعات من الأمم المتحدة بفرار ما يصل إلى مليون شخص وكذلك استخدام تنظيم داعش للمدنيين كدروع بشرية.
ونزح أكثر من ثلاثة ملايين شخص بالفعل في العراق عن بيوتهم منذ اجتياح التنظيم المتشدد شمال وغرب البلاد وسيطرته على ثلث مساحة العراق قبل أكثر من عامين.
العرب القطرية