عاد ملف إعادة هيكلة القوى العسكرية المسيطرة، وإنهاء الحالة الفصائلية في محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، إلى واجهة الاحداث من جديد، لصالح بلورة مشروع «المجلس العسكري» وتأطير القوى العسكرية ضمن إطار تنظيمي، وتحويل الفصائل لألوية يبلغ عددها 34 لواءً، وهو ما كان قد طرح قبل نحو أكثر من عام كمخرج وحل عقدة «هيئة تحرير الشام».
60 بالمئة من سكان #مخيم #فلسطين سوف يخسرون أملاكهم — المخطط التنظيمي الجديد
وبرأي خبراء ومراقبين فإن المشروع يأتي في سياق العمل على سحب ورقة ضغط بيد روسيا تتمثل في إصرار موسكو على استمرار مكافحة الإرهاب في إدلب، لكن لا يعني هذا بالضّرورة أن التذرّع بسيطرة التنظيمات الإرهابية على إدلب، سينتهي، بل قد تطلق موسكو هذه الصفة على المجلس العسكري الوليد وتتعاطى معه كغطاء لاستمرار تنظيم «هيئة تحرير الشام».
مصدر مسؤول من الجبهة الوطنية للتحرير، المقربة من أنقرة، أكد لـ»القدس العربي» وجود تنسيق عسكري واسع بين الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام في إطار التحضيرات لدمج الفصائل، وبيّن أن «غرفة عمليات الفتح المبين التي تضم هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير موجودة وهي خير دليل على التعاون والتنسيق بين الطرفين».
ويثير الحديث عن صهر الفصائل العاملة شمال غربي سوريا، «المعتدلة والمصنفة أمنياً» ضمن بوتقة مجلس عسكري موحد، أسئلة وجدلاً واسعاً يتعلق بتفاصيل هذا المشروع، لاسيما أن الهيئة مصنفة على قوائم الإرهاب، ولا يمكن دمج جسم إرهابي مع جيش مصنف على أنه معتدل، إذ يرى خبراء وعسكريون أنه «يجب الانتظار حتى إزالة اسم الهيئة من لائحة الإرهاب حتى لا تصبح حجة لروسيا بضرب كامل الجيش الوطني باعتباره مندمجاً مع منظمة إرهابية».
مدير مركز جسور للدراسات والأبحاث محمد سرميني قال إن ثمة جهوداً ميدانية من أجل صياغة المشهد في إدلب، وتحدث الخبير لـ»القدس العربي» عن «المعلومات التي رشحت من جولة أستانة 15 والتي تفيد بأن الجانب التركي حاول الدفع باتجاه وقف دائم لإطلاق النار في منطقة إدلب، وتحويلها إلى منطقة نفوذ متفاهم عليها على غرار مناطق عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون».
وأضاف «حسب التصريحات التي صدرت عن وفد المعارضة السورية الذي شارك في شهر فبراير /شباط 2021 في «أستانة 15» والتي أشارت إلى استمرار وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، بالتوازي مع الحراك السياسي من أجل تحقيق استدامة لوقف إطلاق النار، ثمة جهود ميدانية من أجل صياغة المشهد».
ورجح المتحدث أن هيكل القوى العسكرية في محافظة إدلب في طريقه للتبدّل، وذلك لصالح بلورة مشروع «المجلس العسكري»، الذي تم طرحه سابقاً لحل معضلة «هيئة تحرير الشام». ووفقاً للمصدر الواسع الاطلاع، فإنه يتم في الوقت الحالي استكمال الترتيبات لتحويل فصائل محافظة إدلب لألوية عسكرية يبلغ عددها 34 لواءً، تتبع بشكل مباشر للمجلس العسكري الذي يقوده مندوبون عن هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير. وقال، غالباً فإن الخطوة التي ستتبع هيكلة الفصائل ضمن المجلس العسكري ستتمثل في تعيين وزير دفاع في حكومة الإنقاذ التي يجري العمل على تحويلها إلى سلطة تنفيذية بشكل كامل وفعلي، وتصبح تبعية المجلس العسكري لوزير الدفاع بشكل مباشر.
هواجس تجاه الدور الروسي
ومن الواضح برأي مدير مركز جسور أن هناك قراراً بإنهاء الحالة الفصائلية في محافظة إدلب، والعمل على تأطير القوى العسكرية ضمن إطار تنظيمي، والاستفادة من هذا الإطار على صعيد زيادة الفاعلية العسكرية، وفي الميدان السياسي لجهة سحب ورقة ضغط بيد روسيا تتمثل في إصرار موسكو على استمرار مكافحة الإرهاب في إدلب، لكن لا يعني هذا بالضّرورة أن التذرّع بسيطرة التنظيمات الإرهابية على إدلب، بل قد تطلق هذه الصفة على المجلس العسكري الوليد وتتعاطى معه كغطاء لاستمرار تنظيم «هيئة تحرير الشام» وذلك للحفاظ على ورقة ضغط يمكن استخدامها في أي لحظة لتبرير التحركات العسكرية. وكانت الدول الضامنة لمسار مفاوضات «أستانة» العسكرية حول سوريا، روسيا وتركيا وإيران، قد توافقت على تمديد اتفاق التهدئة في منطقة إدلب، مشددة على ضرورة مواصلة جميع الاتفاقات المتعلقة بالتهدئة. وتضم غرفة عمليات «الفتح المبين» التي أسست في صيف العام الفائت، كلاً من «هيئة تحرير الشام» و»الجبهة الوطنية للتحرير» المنضوية ضمن «الجيش الوطني السوري» حيث أعلنت وقتئذ «تحرير الشام» في بيان صدر عن جناحها العسكري في 26 من حزيران 2020، أنه يمنع إنشاء أي غرفة عمليات أو تشكيل أي فصيل عسكري تحت طائلة المحاسبة، بحيث تصبح جميع النشاطات العسكرية بإدارة غرفة عمليات «الفتح المبين» ونص البيان أن كل من أراد المساهمة في المجال العسكري «فالأبواب مشرعة له ليقوم بذلك عبر غرفة عمليات الفتح المبين».
ومنعت هيئة تحرير الشام تشكيل أي فصيل أو غرفة عمليات في مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا، وحصرت الأعمال العسكرية في غرفة عمليات «الفتح المبين».
وحول مشروع المجلس العسكري الموحد في إدلب، يقول الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي إنّ هيئة تحرير الشام تعوّل فعلاً على نجاح خطوة المجلس العسكري في إدلب لدعم مساعيها للتخلص من مشكلة التصنيف على قوائم الإرهاب. ومع ذلك، تواجه الهيئة عدّة تحديات أبرزها تجاوز احتمال إعادة تصنيف المجلس العسكري من قبل مجلس الأمن الدولي بضغط من روسيا والصين، والعلاقة مع التنظيمات الجهادية المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، إضافة إلى العلاقة مع المقاتلين الأجانب.
وحول العناصر الأجنبية لدى هيئة تحرير الشام، لا يبدو، برأي المتحدث لـ»القدس العربي»، أن بنية المجلس العسكري ستقصي المقاتلين الأجانب في صفوف الهيئة أو الجبهة الوطنية للتحرير، فيما يُمكن الاعتقاد بأنه سيتم استبعادهم عن المراكز القيادية وعن الظهور الإعلامي.
أما فيما يخص التصنيف الدولي، قال عاصي قد يتم اللجوء إلى آلية تعيق الإجراءات التقنية أمام المجتمع الدولي من قبيل تقديم شخصيات غير موضوعة على القوائم السوداء سواء في قيادة المجلس أو الألوية التابعة له، لكن مع إبقاء القرار الفعلي خاضعاً لهيمنة الشخصيات الأساسية مثل أبي محمد الجولاني وغيره.
«ثلاثي أستانة»
وفي 17 فبراير /شباط 2021، أصدرت تركيا وروسيا وإيران بياناً ثلاثياً في ختام الجولة 15 من مباحثات مسار أستانة التي انعقدت على مدار يومين في مدينة سوتشي الروسية، كرّر البنود والعبارات التي تضمنتها الجولات السابقة على نحو واضح. وأكّد البيان الختامي على التزام الدول الضامنة بعمل اللجنة الدستورية. ومع ذلك، لا يبدو أنّه تم التوصّل لصيغة اتفاق يضمن تحقيق تقدّم ملموس بمسار الإصلاح الدستوري، ولا حتى تحديد موعد لانعقاد الجولة السادسة، وهي مسؤولية سيتولى المبعوث الأممي القيام بها بعد إجراء مباحثات مع الوفود المشاركة والدول الضامنة.
لكن وفد المعارضة وتركيا أيضاً حريصان على عدم استئناف الجولة السادسة دون العمل وفق منهجية محددة تتناول تلخيص المداولات، وتحديد جدول الأعمال بشكل واضح، وتوسيع الجدول الزمني.
وكان واضحاً أن البيان الختامي قد اكتفى بالتأكيد على ضرورة تنفيذ جميع التفاهمات المتعلّقة بإدلب، ما يعني استمرار التهدئة لـ 6 أشهر إضافية بموجب ما تنصّ عليه مذكرة خفض التصعيد أو حتى انعقاد جولة أستانة -16 والتي تم تحديدها بمنتصف عام 2021، كما يعني إحالة ملف وقف إطلاق النار للمباحثات الثنائية الجارية بين تركيا وروسيا.
نقلا عن القدس العربي