اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه من السابق لأوانه تحديد حجم الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا، والذي جاء بناء على قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أعلن “تحقيق أهدافه عموماً”، مثيراً صدمة مماثلة للمفاجأة التي أحدثها قراره الدخول في الصراع العام الماضي.
وترى المجلة أن قرار بوتين بالانسحاب الجزئي لقواته العسكرية من سوريا لا يعني انسحاب الكرملين من البلاد التي مزقتها الحرب؛ إذ إنه يأمل في تحويل مكاسبه الأخيرة إلى انتصار دبلوماسي.
وأشارت رندا سليم، مديرة مبادرة الحوار في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في المقال الذي كتبته لفورين بوليسي، وترجمه للعربية موقع “24” الإماراتي، إلى أن خروج بوتين من سوريا لا يضاهي انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011؛ لا سيما أن بوتين سيحافظ على أصول عسكرية كافية في سوريا لكي يتمكن من إعادة نشر قواته من جديد عندما يختار أن يفعل ذلك، وهو ما أشار إليه في تصريحاته يوم الخميس الماضي عندما قال: إنه “بإمكان روسيا العودة مرة أخرى في غضون ساعات قليلة”.
وتقول فورين بوليسي إن أي اعتقاد أن انسحاباً جزئياً يحوّل مسار الحرب السورية لمصلحة المعارضة، هو مجرد تمنيات؛ إذ إن موسكو ذهبت إلى سوريا لمنع الهزيمة العسكرية لنظام بشار الأسد، وكذلك دعمه على المدى البعيد، وهذان الهدفان هما المحركان الرئيسيان لسياسة روسيا في سوريا.
وتضيف المجلة: “تعتقد موسكو بالفعل أن أهدافها قد تحققت، ولكن إذا شعرت مجدداً أن نظام الأسد مهدد، فإنها لن تتردد في إعادة نشر قواتها”.
ورغم ذلك، تشير فورين بوليسي إلى أن إعلان بوتين انسحابه يضع النظام السوري على المحك. وقد سارعت دمشق إلى الإيحاء بأن روسيا لم تتخلّ عنها. بيد أن غضب روسيا بات واضحاً بسبب عدم مرونة بشار الأسد الذي يتعين عليه، كما ترى روسيا، أن يستثمر المكاسب العسكرية التي تحققت مؤخراً في التفاوض بمحادثات جنيف3 للسلام الجارية حالياً. ولكن الحكومة السورية، في المقابل، ليست لديها أي رغبة في التفاوض بشأن المستقبل السياسي للبلاد.
وأشارت إلى أن موسكو لا تريد أن تكون رهينة النظام السوري، إلا أنه ليس لديها خيار آخر سوى الاستمرار في التعامل مع قيادة الأسد.
وبناء على طلب روسيا والصين لم تتم الإشارة إلى بشار الأسد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي ينطوي على خريطة طريق لوقف إطلاق النار وعملية سلام لإنهاء الصراع في سوريا. ومن جانبها تخلت روسيا عن إصرارها على استثناء تنظيمي “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” من وقف إطلاق النار، وقررت التعايش مع العبارة الفضفاضة التي تستبعد من القرار تنظيم داعش وجبهة النصرة و”غيرها من الجماعات الإرهابية على النحو الذي يعينه مجلس الأمن الدولي”.
وتشير المجلة إلى أن روسيا لديها شبكة قديمة من العلاقات الرسمية وغير الرسمية مع كل هياكل النظام السوري والمجتمع السوري، ولكن المحور الرئيسي لإيران في سوريا كان دائماً متمثلاً في بشار الأسد الذي استثمر وقته وجهده، منذ توليه السلطة في عام 2000، في تعزيز علاقته مع طهران وحزب الله، أكثر من أي بلد أو حزب آخر. وفي رأيه الآن، كان ذلك الاستثمار مُبرّراً.
وتختتم فورين بوليسي قائلة: “إن قرار بوتين بالانسحاب الجزئي من سوريا يعزز وجهة نظر بشار الأسد بأن رهانه على طهران وحزب الله كان موفقاً. وهذا الأمر سيجعل بوتين أكثر اعتماداً على استعداد طهران لمساعدته في كبح جماح الأسد من أجل الوصول إلى حل سياسي. وبناءً عليه أيضاً، ستكون طهران، لا موسكو، الشريك الأساسي في أي اتفاق سياسي في سوريا”.
الخليج أونلاين