شبكة شام – أحمد نور
“متلازمة الثراء” التي تلاحق الناشط في المجال الإعلامي الثوري بسوريا باتت معضلة كبيرة يواجهها ذلك الناشط في تغطياته والنظرة السطحية التي بات ينظر فيها أي مدني في المحرر، لتغدوا عبارة “تصورونا لتبيعوا وتقبضوا بالدولار” هي السائدة، في ظل استمرار الحرب والمعاناة اليومية التي يتوجب على أي ناشط نقلها وتغطيتها، مع مراعاة هذه النظرة السلبية تجاهه.
“الناشط الإعلامي” هو الاسم الشائع لكل ثائر سوري، جعل عدسات الكاميرا سلاحه ليواجه نظام الأسد وحلفائه وينقل صوت شعبه الثائر للخارج، وكان على رأس قائمة المطلوبين أمنياً لأجهزة النظام القمعية التي لاحقت النشطاء منظمي المظاهرات وناقليها للعالم، ليُغيب ذلك الحراك واستخدم لذلك ضروباً ووسائل عدة.
وبات الناشط الإعلامي منذ اليوم الأول لحراك الشعب السوري في سوريا، ركيزة أساسية وعامل حقيقي في نقل صورة الواقع السوري وحراك الشعب السوري التي حاول النظام تغييبها وتشويه صورتها، فاستطاع ذلك الناشط بأدوات بسيطة نقل الواقع وتكذيب النظام ودحض ادعاءاته، وانتقلت صور وفيديوهات ومعاناة الشعب السوري للعالمية عبر عدسات بسيطة ووسائل بدائية في بداية الحراك.
ومع تنامي الحراك الشعبي، كان للناشط دور بارز في تغطية القصف والموت والمجازر والحصار والتجويع ونقل صورة الواقع يومياً، مخاطراً بنفسه وبعائلته التي قد يطالها الاعتقال، ليخرج عبر الشاشات ينقل تفاصيل الحراك اليومي، وينقل الصورة الحقيقية، ليغدو المصدر الأول لوسائل الإعلام العربية والعالمية رغم خبرته المتواضعة.
وقدم “الناشط” ضروباً في البطولة في تغطية المعارك والقصف والمجازر، ولاقى ما لاقاه من اعتقال وقتل وملاحقة واستهداف، ولم يكن في قصر عاجي ينقل الواقع، بل كان بين الناس ومع المدنيين يواجه الحصار والجوع والموت والملاحقة، ويتخفى هنا وهناك ويتنقل بين منطقة وأخرى لنقل صورة أو مقطع فيديو مخاطراً بنفسه وعلى حسابه ونفقته دون أي مقابل.
ومرت السنوات، وشاع اسم الناشط الإعلامي، وبات الحراك الشعبي في مواجهة حرب مستعرة يومية، لا يمكن أن يغيب دور الناشط عن تغطية الوقائع، مع عزوف جل المؤسسات الدولية الإعلامية عن إرسال صحفيين لتغطية الموت اليومي، وعدم قدرتهم على التنقل وخوفاً من الاعتقال والاختطاف كما حصل للكثيرين، ليبقى هذا الناشط المدني صوت الثورة للخارج.
ولأن سنين الحراك الشعبي الأولى كانت عشوائية تفتقر للتنظيم، وبسبب غياب المنظمات الطبية والإنسانية وو .. الخ، كان ذلك الناشط يلعب كل الأدوار، كونه وسيلة التواصل بين الداخل والعالم الخارجي، ولعل اقحام الناشط بالعمل الإغاثي كونه الجهة الوحيدة للتواصل جعله في موضع شبه وباتت تكال له الاتهامات مع تسلمه أول مبلغ مالي من وكالة هنا أو مؤسسة هناك بات يعمل كمراسل لها على الأرض.
ورغم كل ماناله الناشط الإعلامي من نظرات سلبية واتهامات، إلا أنه واصل تغطيته ولم يغلق عدسة كمرته عن تصوير القصف والموت والمجازر ونقل المعاناة، كونها ضرورة لتوثيق الحدث ومايواجهه الشعب السوري والذي لولا عدسة هؤلاء النشطاء لم يسمع أحد بقتلهم وحصارهم وموتهم وحراكهم ضد الظلم، على غرار ماحصل لعشرات الآلاف من المدنيين إبان مجازر الثمانينات.
والكثير اليوم بات يرمق لكل حامل كمرة بعين الريبة، وأنه يصور ويلتقط الصور لأجل المال، ليس لأجل نقل صورة ومعاناة المدني والنازح والجريح والقابع تحت سقف منهار، سبب ذلك تلك الطفرة الإعلامية والصورة السلبية التي قدمها بعض المتسلقين على حساب تضحيات الشعب السوري، وعدم تحرك المجتمع الدولي طيلة السنوات الماضية رغم كل الموت الذي نقلت مشاهده، لتتزعزع ثقة المدني بأهمية التوثيق والتصوير ويبدأ بتوجيه الاتهام للناشط بأنك تصور لتقبض.
بالمقابل، ومع توسع الحراك الشعبي وتقدم الثورة في سنواتها، ظهرت طفرة كبيرة في المجال الإعلامي، لكثير من الأشخاص ممن جعلوا من العمل الإعلامي الذي وجدوا فيه منفعة شخصية للشهرة أو مالية لجمع المال على حساب تضحيات المدنيين، فانتشر العاملين في هذا المجال من النشطاء المحدثين، في الوقت الذي غاب قسم كبير من نشطاء الحراك الثوري الأوائل، بسبب سوء حال أو نزوح أو تهجير أو ضعف إمكانيات وغير ذلك، لتغدو الكمرة مصدر ربح لضعاف النفوس ولو على حساب معاناة المدنيين، مشوهين صورة الناشط ومسيرته.
ومن هنا انطلقت فكرة المتلازمة التي تقرن الناشط الإعلامي بالثراء، في ظل عملية استغلال كبيرة من كثير من الأسماء الإعلامية لأسمائهم التي ظهروا بها واشتهروا بها في نقل معاناة المدينين، وباتوا مصدراً للخبر، ولكن سرعان ما استغلوا هذه الأسماء للشهرة وتحقيق المنفعة وهم قلائل، يقابلهم من تبنوا الحراك من كثير من الشخصيات التي لم تعمل على الأرض أبداً وكانت تستقي الأخبار من نشطاء لم يتصدروا شاشات التلفزة ومواقع التواصل وعملوا بكل صدق وإخلاص، ليظهر غيرهم على حسابهم ويتصدروا الشاشات.
“أن تكون ناشطاً إعلامياً لايعني بالضرورة أنه ثري ” هي الصورة الحقيقية التي يتوجب على عامة المدنيين فهمها، فليس كل ناشط ثري، فهو مثلكم يعيش بينكم ويكابد الحصار والنزوح والغلاء والموت مع عائلته، فيقتل ويجرح ويهدم منزله ويترك أرضه، ولكنه يواصل حمل كمرته لنقل معاناتكم ولفت الأنظار لاستمرار حراككم، رغم صعوبة التمييز اليوم بين من يحمل تلك العدسات لقضية أو لمنفعة شخصية، وهذه هي المعضلة الكبرى.