أصبح هذا السؤال محور مناقشات دولية منذ بداية الحديث عن الاتفاق النووي الإيراني قبل بعض سنوات. قد تكون الإجابة على هذا السؤال عبر خطوة رئيسية تتمثل في النظر في تاريخ واردات الجيش الإيراني من السلاح والعوامل المحيطة به.
وفق قاعدة بيانات انتقال السلاح التي أصدرها مركز ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، والتي جمعت كل تحويلات الأسلحة التقليدية الأساسية منذ سنة 1950، فتبين أن أمريكا هي أكبر مصدر للأسلحة لإيران بين 1950 و1970.
ارتفع معدل تزويد أمريكا لإيران بالأسلحة في سنة 1953 بعد الانقلاب الذي قادته المخابرات الأمريكية والبريطانية ضد رئيس الوزراء المنتخب أحمد مصدق. وعاد الشاه الإيراني محمد رضا بهلاوي من المنفى ليحكم البلاد ويصبح الحليف المقرب من أمريكا.
وفق تقرير لجنة موظفي “العلاقات الخارجية” بمجلس الشيوخ الذي صدر سنة 1976 كانت إيران أكبر مشتري للسلاح والعتاد الأمريكي، كما ارتفعت المبيعات العسكرية سبع أضعاف، أي من 524 مليون دولار سنة 1972 لتبلغ 3.91 مليار دولار سنة 1974.
يظهر تقرير مركز ستوكهولم الدولي لبحوث السلام بلوغ أعلى نسبة مبيعات في سنة 1977. كما قالت اللجنة بأن الرئيس ريتشارد نكسن ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر وافقا لأول مرة سنة 1972 على “بيع إيران أي أسلحة تقليدية تريدها”. بعائدات النط امتلكت إيران بعض أفضل الأسلحة الأمريكية المتطورة وتلقت تدريبا ومساعدة تقنية في التعامل معها على يد موظفين أمريكيين.
يشرح التقرير جذور تلك الصفقات
“إيران مازالت وستبقى دولة مهمة جدا بالنسبة لأمريكا وحلفائها، بسبب موقعها الجغرافي ونفطها، كما أن إيران تعطي قيمة كبيرة لعلاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، لاعتقادها أن أمريكا ستأتي لنجدتها لو تعرضت للتهديد”.
بهذا المستوى من الدعم الأمريكي، أصبحت إيران قوة عسكرية مهيمنة في الشرق الأوسط، ما جعلها تمهد الطريق لتطوير سلاحها النووي.
ولكن مع انهيار التحالف الإيراني الأمريكي سنة 1979، بعد أن ساهم استبداد الشاه في ظهور غضب شعبي رافقته أحداث شغب ومظاهرات كان البذرة الأولى في ولادة الثورة الإيرانية، أجبر الشاه مرة أخرى على الهروب. ومسك البلاد قوة أصولية، بزعامة معارض لأمريكا وهو الفقيه الشيعي آية الله روح الله الخميني، أمسك بزمام السلطة وحوّل إيران إلى جمهورية إسلامية.
توقف تصدير السلاح الأمريكي لإيران، ومنع نهائيا بعد أن حاصر نشطاء إسلاميين 52 رهينة أمريكية داخل السفارة الأمريكية في طهران في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979.
عوّضت الصين والاتحاد السوفياتي مباشرة مكان الولايات المتحدة وأصبحتا المزود الرئيسي لإيران بالأسلحة منذ الثمانينات حتى اليوم. لو دققنا في تقرير مركز ستوكهولم الدولي لبحوث السلام لوجدنا أن كمية صغيرة من الأسلحة قد وصلت إيران بين سنتي 1984 و1986. بحسب التقرير فإن هذه الأسلحة وصلت لإيران سرا وبشكل غير مشروع من أمريكا بمساعدة إسرائيل، على الرغم من حظر الأسلحة ضد إيران.
حاولت أمريكا حماية إطلاق رهائنها في لبنان عبر اتفاقيات الأسلحة السرية، واستخدمت العائدات من المبيعات لتمويل الميليشيات التي تقاتل ضد حكومة الجناح اليساري في نيكاراغوا في محاولة لوقف انتشار الاشتراكية في أمريكا اللاتينية. وعرفت الفضيحة في ما بعد بقضية إيران-كونترا.
بعد العقوبات الأمريكية سنة 1979 والتي اشتدت في التسعينات جعلت إيران تقترب من روسيا والصين، فقد زادت مبيعات روسيا من الأسلحة بشكل ملحوظ في التسعينات.
دفعت العقوبات إيران لبناء صناعتها العسكرية الخاصة، فصنعت الجمهورية دباباتها الخاصة، والمدرعات ناقلة الجنود، والصواريخ والطائرات المقاتلة والغواصات، كما صدّرت المعدات العسكرية إلى عديد البلدان مثل سوريا والسودان، وفق ما جاء في التقرير.
وتراجعت مبيعات روسيا من الأسلحة بشكل ملحوظ منذ فرض مجلس الأمن في الأمم المتحدة عقوبات على إيران سنة 2007، بعد فشل محادثات وقف تخصيب اليورانيوم، وهي الخطوة الحاسمة في تصنيع السلاح النووي.
لم تتأثر مبيعات الصين من الأسلحة لإيران
نظرا لعلاقتهما المالية القوية بإيران، لم تدعم الصين وروسيا العقوبات إلا بعد تخفيف بعض البنود، بنت روسيا محطة للطاقة النووية في بوشهر بإيران والتي من المفترض أنها اكتملت سنة 2011.
منعت العقوبات تزويد إيران بالتكنولوجيا أو المعدات المرتبطة بالنووي كما فرضت على الدول الأعضاء “توخي اليقظة وضبط النفس” عند نقل الأسلحة لإيران، ولكن لم يفرض المنع الكامل لنقل الأسلحة التقليدية إلا سنة 2010 عندما زادت الأمم المتحدة من تشديد العقوبات.
حافظت الصين وروسيا على نسبة قليلة من مبيعاتهما من الأسلحة لإيران بين سنتي 2008 و2015، وفي نيسان/ أبريل 2015 تسلمت إيران منظومة صواريخ للدفاع الجوي أثناء مناقشات الاتفاق النووي، التي كانت روسيا شريكا فيها.
أوقفت روسيا سنة 2010 العمل باتفاق سنة 2008 والذي هو بقيمة 800 مليون دولار، بسبب العقوبات الدولية. وبدأت روسيا تسليم الصواريخ في نيسان/ أبريل 2016 فقط بعد ثلاث أشهر من بداية العمل بالاتفاق النووي.
POSTED IN: مقالات وتحليلات
بري : ترجمة التقرير