لم تكن مدينة الزبداني استثناءً من الحصار الذي فرضته قوات النظام على المدن والبلدات الثائرة في غوطة دمشق، حملة عسكرية مدعومة بعناصر من حزب الله استمرت لنحو ثلاثة أشهر، وبعد حصارٍ للقرى الشيعية في ريف إدلب لأكثر من 6 أشهر، وهجوم فصائل جيش الفتح على البلدتين الشيعيتين في ريف إدلب وقصفهم لأكثر من 3500 قذيفة وأسطوانة متفجرة، بات حرياً بنظام الأسد أن يوقف العمليات العسكرية بعد ضغوطات إيرانية، ليبتعد عن طاولات الحوار تاركاً المجال للوفد الإيراني ليتولى عملية التفاوض على مدينة الزبداني والفوعة وكفريا.
بدأت عملية التفاوض بوقف لإطلاق النار بين جميع الأطراف المتنازعة في كل من الزبداني والفوعة وكفريا، على أن تجلس حركة أحرار الشام وإيران على طاولة التفاوض، وما هي إلا أيام لتعلن حركة أحرار الشام الإسلامية عن رفضها للتفاوض وتوقّفها، وقال أبو محمد في المكتب الإعلامي ” إن السبب الرئيسي لوقف التفاوض هو رفض الحركة شرطاً وضعه الوفد الإيراني المفاوض في اسطنبول، ويقضي الشرط بإخلاء الزبداني والبلدات المجاورة لها من المدنيين ونقلهم إلى شمال البلاد، مقابل نقل سكان البلدتين الشيعيتين إلى ريف دمشق، الأمر الذي يعتبر تغييراً ديموغرافياً مقصوداً”.
ويرى أحمد الحسن أحد سكان الزبداني ” بأن القرار ليس بأيدِ السكان، فالجالسون حول طاولة الحوار هم أحرار الشام وإيران ومن ورائها حزب الله، أما السكان فينتظرون النتائج، إما قصف وبراميل متفجرة في حال فشل المفاوضات، وإما وقف لإطلاق النار وتهجير للسكان، والخياران أحلاهما مر”.
سقطت الهدنة، وفشلت المفاوضات، وعاد صوت السلاح هو المهيمن على الساحة السورية، الزبداني في ريف دمشق حيث يستميت نظام الأسد للسيطرة عليها مقابل الفوعة وكفريا، بلدتين شيعيتين تحاصرهما فصائل جيش الفتح، وتحدث أبو أحمد أحد القادة الميدانيين في غوطة دمشق لماذا الزبداني مهمة ” الزبداني مدينة غربي دمشق، تطل على الطريق الدولي الذي يربط العاصمتين السورية باللبنانية، وهو طريق حيوي على نحو حاسم للنظام مع حليفه حزب الله، كما تجاور الزبداني عدة مدن وبلدات مهمة للنظام منها منطقة بردى”.
وفي الـ24 من أيلول العام الماضي، شنت فصائل جيش الفتح هجوماً مباغتاً على تحصينات بلدة الفوعة قامت خلالها بتفجير 9 عربات مفخخة وانتهت بتحرير أكثر من 13 موقعاً، وقتل أكثر 50 مسلحاً من البلدة والميليشيات الإيرانية المساندة لها فضلاً عن تدمير عدة آليات لهم وسط تكثيف الطيران الحربي من غاراته على البلدات المجاورة.
وبعد تقدم فصائل جيش الفتح بات واضحاً بأن التفاوض هو الخيار الوحيد أمام إيران وحزب الله لإنقاذ نحو 45 ألف شيعي داخل البلدتين بينهم نحو 16 ألف مسلح وبينهم قيادات في الحرس الثوري الإيراني لتعود الأطراف إلى طاولة الحوار والاتفاق على نقاط جديدة.
أما آخر دفعة على طريق تطبيق المفاوضات فكانت في أل20 من نيسان، وتم خلالها تكرار عملية التبادل بخروج الجرحى والبالغ عددهم نحو 250 مصاباً مع مرافقيهم ليصل عدد الخارجين إلى 500 مدني، في المقابل تم إخراج العدد نفسه من بلدة الفوعة برعاية الصليب الأحمر.
يروي “أحمد” (من مضايا المحاصرة) كيف أصيب بغارة جوية وتم بتر قدمه للافتقار إلى الأدوية الطبية ” قبل 10 أشهر تعرضت للإصابة بشظايا صاروخ سقط في الحي، لقد كانت الإصابة بليغة جدا، لم يتمكن الأطباء من عمل شيء للنقص الحاد في الأدوية وأكياس الدم، كل ما كان متوفر من الدواء هو حبوب الأسبيرين، وحبوب مسكن الألم فقط، ماعدا ذلك فهو مفقود ولا يمكن الحصول عليه، بعد ذلك نُقلت إلى مشفى ميداني في اللدة لعلّ الأمل لم يمت، ولكن كانت المشافي والسكان بحالة يرثى لها، لم يبق خيار إلا البتر، بعد عملية البتر لم يتوقف الألم، لقد كان في ازدياد يوماً بعد يوم”.
ويرى كثيرون بأن النظام لم يكترث لقرار وقف إلقاء السلال الغذائية والذخيرة إلى الفوعة وكفريا، بل أصبح هذا العمل شبه يومي ولكن بطريقة حديثة، طائرة “اليوشن” الروسية لا تفارق سماء البلدتين وهي تلقي بالغذاء والسلاح، وأثبتت صور التقطت للجريدة تظهر أطفال الفوعة وهم بصحة جيدة، وقد زاد وزنهم بشكل ملحوظ حتى باتت علامات الحياة الطبيعية ظاهرة عليهم وكأنهم ليسوا بحصار منذ سنة، على عكس الواقع المرير ما يعيشه أهل الزبداني.
ويبقى السؤال، لماذا تطرح مسألة تهجير المدنيين من مدنهم بسبب انتمائهم الطائفي، أهي بداية تقسيم سوريا؟ وماذا يبقى من نظام أحرق البلد من أجله وهو اليوم لا يملك التحرك في متر واحد من سوريا بدون موافقة إيرانية؟
المركز الصحفي السوري – أماني العلي