وليام جاي. برود وديفيد إي. سانجر
الحياة
طوال أكثر من عقد، منذ بدأ المفتشون النوويون الأمميون التحري عن برنامج إيران النووي، أميط اللثام عن عالم سري من المختبرات والمصانع المتمددة، بعضها مسوّر بأسلاك شائكة ومضادات الطائرات، وبعض آخر مخفي أو مدفون تحت الأرض. وعلى رغم هذه المساعي، لا تزال إيران تتنصل من جواب سؤال رئيسي: هل تعرف كيفية صنع قنبلة ذرية؟ وما مستوى هذه المعرفة؟ في العلن، يدور النقاش اليوم على تقليص عدد مفاعلات اليورانيوم ومـركبات البلوتونــيوم، وهـــما جسر طهران الى الوقود النووي. وثمة نقاش مواز يدور وراء الأبواب المغلقة بين الولايات المتحدة وحلفائها يتناول مسألة إذا كان الاتفاق النهائي يلزم إيران الكشف عن عمق معرفتها النووية. وهذا النقاش الداخلي مداره على “إلزام إيران تفسير ماضيها (أي مرحلة ما قبل 2003، وهو العام الذي يرى خبراء استخباراتيون أميركيون أنها أنجزت ما يوازي مشروع مانهاتن الذي انتهى إلى إنتاج أول قنبلة نووية في الحرب العالمية الثانية) أم عدم إلزامها والانصراف الى المستقبل”، على نحو ما يقول مسؤول أوروبي.
وجمع مفتشو وكالة الطاقة الذرية النووية تقارير سرية ومراسلات ورسوم بيانية ومجسمات وشرائط فيديو تسلط الضوء على مهارات إيران في تصميم الرؤوس الحربية، واستندوا في عملهم هذا، إضافة إلى تقاريرهم الذاتية، إلى تقارير استخباراتية زودتهم إياها دول أعضاء. وتطعن طهران في صحة هذه الوثائق، وتقول إنها تحمل معلومات اختلقتها وكالة “سي آي إي” الأميركية أو الموساد الإسرائيلي. ونفى يوكيا أمانو، مدير الوكالة، الزعم الإيراني في الصيف الماضي، وقال إن المفتشين وجدوا بيّنات على معلومات الوثائق استقوها من مصادر أخرى متقاطعة. والوثائق، إذا ثبتت صحتها، تدحض زعم طهران أن طموحاتها النووية سلمية ومدارها على إنتاج نظائر مشعة طبية وكهربائية.
والحق أن الخبرة في تصميم الرؤوس الصاروخية، على خلاف إنتاج الوقود النووي، عسيرة على الرصد. وبعض الأجزاء النووية يستخدم حصراً في صناعة السلاح الذري، مثل قوابس الشرارات النيوترونية، وهي نواة القنبلة الذرية. وعلى خلاف هذه الأجزاء، يستخدم اليورانيوم في تزويد السلاح النووي والمفاعلات الكهربائية بالوقود، ففي إمكانه إضاءة المدن أو محوها. وفي مطلع 2003، حين بدأ المفتشون تقصيهم، كان شاغلهم معرفة إذا كانت إيران تشيد مصانع وقود نووي للسلاح الذري. والحصول على الوقود هو المرحلة الأكثر عسراً في المعادلة النووية. وكان من اليسير على المفتشين مراقبة مصانع عملاقة تشيدها إيران، على غرار مفاعل البلوتونيوم في آراك ومفاعل اليورانيوم في نتانز، ومساحة قاعاته نصف مساحة البنتاغون. وإلى اليوم، شاغل مجموعة الدول الست التي تفاوض إيران هو مسألة إنتاج الوقود النووي. وترغب المجموعة في تقليص طهران عدد مفاعلاتها التي تدور دوراناً تفوق سرعته سرعة الصوت لتنقية اليورانيوم. وتريد أن يعاد تصميم مفاعل آراك، وهو قيد الإنشاء، لتقليص كمية البلوتونيوم (وقود قنبلة ذرية) التي سينتجها، وأن تشمل عملية التقليص شطراً واسعاً من المفاعلات تدوم حوالى عقد أو أكثر من أجل ضمان عدم توجه طهران السريع الى صناعة قنبلة وبلوغ مرحلة تسمى “بريك آوت” (الانطلاق).
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه أمام الكونغرس، أن “المعرفة النووية من غير بنى تحتية نووية لا ترتجى منها فائدة، “فالطيار من غير طائرة لا يسعه الطيران”، وفق قوله الذي لا يجافي الصواب. لكن ثمة طرقاً متنوعة للحصول على الوقود النووي، منها شراؤه من كوريا الشمالية أو السوق السوداء. والانشغال بهذه المسائل يغفل المسألة الأبرز: الرؤوس الصاروخية.
ولا يخفى أن طهران تعرف كيفية صناعة قنبلة أولية، شأن الإرهابيين والطلاب الجامعيين، لكن السؤال الأبرز هو: هل تستطيع تصغير حجم سلاح ذري وتزويد صاروخ به؟ هذه القدرة تعظم قدرة القنابل التدميرية فتُلحق بهدفها دماراً يفوق دمار هيروشيما حين تذررها إلى رماد نووي. وفي منتصف 2007، أمل مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جواب أسئلتهم حين اتفقوا مع إيران على خطة عمل تسلط الضوء على ما دار في المختبرات السرية التي يديرها محسن فخري زاده، “العقل المدبر” للنووي الإيراني. ولكن في ختام 2009 أخفقت خطة العمل في بلوغ أهدافها، فأعلن محمد البرادعي، مدير الوكالة يومها، أن عملية التفتيش وصلت الى طريق مسدود. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، زاد المفتشون الضغط على إيران، ونشروا لائحة تفصيلية تظهر بحثاً إيرانياً دقيقاً على الإنترنت في عشرات المسائل الوثيقة الصلة بصناعة الرؤوس الصاروخية، فأنكرت طهران الأمر. وفي آب (أغسطس) 2013، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، إثر تعاظم التوتر مع المجتمع الدولي، الموافقة على مفاوضات نووية مفتوحة. وتتناسل فصول المفاوضات منذ 18 شهراً، وأجازت طهران للمفتشين دخول عمق منشآتها النووي ومراقبة التزامها تقليص إنتاج الوقود النووي، لكنها واصلت عرقلة عملهم في المسألة الأبرز، وحالت دون إطلاعهم على ما يُشتبه في أنه “جوانب عسكرية” نووية. وإدارة أوباما التزمت الصمت.
وفي الشهر الماضي، اعلن المفتشون أن “إيران لم تقدم تفسيرات حول” مسألتين من المسائل الثلاث من لائحة الجوانب العسكرية التي أعدتها الوكالة، وتشمل 12 مسألة وثيقة الصلة بالرؤوس الحربية التي تتناولها المفاوضات. والسؤال اليوم هو: هل تطالب إيران بإماطة اللثام عن كامل برنامجها النووي قبل رفع العقوبات الاقتصادية؟ “هذا موضوع بالغ الحساسية في طهران، فهل يجوز التفريط باتفاق محتمل بسبب إلزام العاصمة الإيرانية باعتراف نووي؟”، يقول مسؤول أميركي. ويقترح خبراء حلاً لهذه المعضلة يقضي برفع متدرج للعقوبات على وقع إعلان المفتشين أن طهران تستجيب لطلباتهم.