حلب ثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان، والعاصمة الصناعية الأبرز لسورية، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي المهم ، لا سيما موقعها الحدودي مع تركيا، الدولة الأبرز في دعم الثورة السورية، كما أن لحلب أثر معنوي ونفسي في نفوس السوريين، وإذا ولجنا في التاريخ فإننا سندرك وزن حلب عبر جميع الأزمنة لجميع من مرّوا عليها وحكموها.
كل هذه المعلومات وغيرها حول المدينة، جعلت منها مكسر عصا وتصفية حسابات لجميع الفرقاء واللاعبين، وخصوصاً بعد فشل الانقلاب التركي الأخير ضد الحكومة المنتخبة، وارتباطه الوثيق بمجريات الثورة السورية وتبعاتها الإقليمية والدولية.
فشل الانقلاب التركي من قبل الأعداء التقليديين للمؤسسة المدنية الحاكمة، والتي تحمل توجهات إسلامية، أعطى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحق بتصفية خصومه ومناوئيه الانقلابيين، وخصوصاً بعد الدعم الكبير الذي تلقاه من الشعب التركي وقيادات المعارضة.
فإطلاق يد الرجل ضد معارضيه العسكريين والتي كانت لهم اليد الطولى في كل تحرك سلبي ضد الثورة وحكومة أردوغان، والذين كانوا يقفون حجر عثرة في أية محاولة حقيقية لدعم الثورة والثوار، وتنظيف المؤسسة العسكرية من هؤلاء ووضعها بتصرف الحكومة ورئاسة الجمهورية والشعب التركي، أتاح الفرصة للرجل في التحرك عبر أرضية ثابتة ودعم شعبي كبير، لتحقيق ما يصبو إليه.
وبالفعل لم تمض فترة وجيزة على فشل الانقلاب ولملمة البيت الداخلي التركي، حتى وجدنا تحولاً كبيراً في سير الأحداث والمعارك على الأرض السورية لصالح الثوار وخصوصاً بعد التوحد الكبير للفصائل العسكرية بوجه الأسد وحلفاءه.
فحلب كانت الوجهة والهدف، للثوار وحكومة الطيب أردوغان لما تمثله من أهمية استراتيحية وما تعنيه بالنسبة لجميع الأطراف المتصارعة، وخصوصاً بعد محاصرتها من قبل قوات الأسد وفرض واقع جديد على الثورة وحلفائها.
مدينة حلب تختصر المشهد السوري كاملاً من حيث الأهمية والموقع والجغرافية والقوى المتصارعة داخل المدينة وحولها..
خليط من القوى والتحالفات يجمعها شيء واحد، هو العداء لقوى الثورة والشعب السوري، بدءاً من نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس والميليشيات الطائفية، مروراً بالقوات الكردية YPG وقوات تنظيم الدولة، دون أن ننسى الدور السلبي لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وقصفها المتكرر لبعض قوى الثورة ووقوفها العلني مع الوحدات الكردية بالدعم والسلاح، وتعاونها أيضاً مع الروس في عملية حصار حلب من خلال التنسيق وغض الطرف، بل وتعداه في بعض الأحيان إلى قصف مواقع الثوار وما سبقه من تقنين وصول السلاح والضغط على الداعمين.
تعتبر مدينة حلب أحد أهم معقلين للثوار مع مدينة إدلب، وسقوط مدينة حلب بيد قوات الأسد سيتبعه بالضرورة محاولة إغلاق ما تبقى من الحدود السورية مع تركيا ومحاصرة مدينة إدلب مما يعني محاصرة الثورة في معقلها الأخير ومن ثم القضاء عليها نهائياً كما تخطط روسيا ونظام الأسد.
انتصار الثوار في مدينة حلب وتحريرها سيكون أكبر تحول في مسيرة الثورة السورية منذ انطلاقتها عام 2011، لأنه سينقل المعارك مباشرة إلى الساحل وحماه وحمص مما يعني أن المعارك ستكون داخل مناطقه أو بالتماس المباشر معها.
ويعتمد الثوار في الشمال بشكل أساسي على تأمين المساعدات والإمدادات عبر تركيا إلى حلب وإدلب وما تبقى من ريف اللاذقية من خلال معبري باب السلامة وباب الهوى ومعبر اليمضية والذي لم يعد يقوم بالدور المعهود بعد تقدم قوات الأسد تجاهه منذ عدة أسابيع، ومع قطع طريق الإمدادات في حلب فإنه لا يبقى للثوار سوى طريق إدلب للحصول على الإمدادات والدعم.
ومن الجانب التركي فإن سقوط مدينة حلب سيعني محاصرة تركيا تماماً من الشمال وسيضعها في مواجهة حقيقية وجهاً لوجه أمام القوات الكردية وقوات الأسد وروسيا.
ومن الجانب السعودي، فإن سقوط حلب في يد قوات الأسد سوف تتم قراءته على أنه انتصار جديد لإيران في سورية، وهو انتصار لحزب الله العدو اللدود للملكة، العدو الذي لا يفوت فرصة في التهجم على المملكة وتهديدها، حيث كانت النبرة الاستعلائية واضحة في خطابه الأخير بعد حصار حلب، فضلاً عن لغة التهديد والغطرسة التي رافقت تعليقه على الحدث.
لن تقتصر تداعيات سقوط حلب بيد الثوار على المنطقة فحسب، بل سيتعداها وستمتد إلى خارجها، ووفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية فإن سقوط حلب بيد المعارضة تعني سقوط نظام الأسد وبالتالي فإن المعركة فيها معركة مصيرية بكل معنى الكلمة لطرفي الصراع، والمنتصر فيها سيحدد خارطة الأحداث والتحركات على الأرض، ومن ثم ستنعكس على المفاوضات السياسية، والتي ستمكن المنتصر من طرح أوراقه بقوة وفقاً لما حققه من نتائج وانتصارات على الأرض.
من الجانب الأمريكي، فإن حجم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على المعارضة بكافة أشكالها، في الوقت الذي أطلق نظام الأسد وحلفاؤه حملته التطهيرية ضد المدينة والمدن الأخرى، أسهمت في تدني مصداقية الولايات المتحدة في الصراع إلى أدنى مستوياتها، وخصوصاً بعد معلومات عن تورطها في محاولة الانقلاب التركي الفاشلة لصالح الانقلابيين، بالتنسيق مع فتح الله غولن، زعيم المعارضة التركية المتواجد على أراضيها.
يرجح أن الولايات المتحدة لن تعد قادرة على ممارسة نفوذ كبير على المعارضة في المرحلة المقبلة، وهو ما يعني أن مسار المفاوضات والأحداث بشكل عام سيشهد تغييراً كبيراً في المستقبل القريب لصالح الثورة والثوار، ولصالح الدول الداعمة للثورة كتركيا والسعودية وقطر، وخصوصاً بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الثوار في الأسبوع المنصرم في مدينة حلب، وقلب الموازين رأساً على عقب لصالح الثورة، وهزيمة منكرة لنظام الأسد وحلفاءه الطائفيين والعنصريين.
أمية برس – وضاح حاج يوسف