يمشي الهوينى ليس كالوجي الوحل، إنما كمحارب قديم، خطّ الرصاص معالم وجهه، وقوست حمل القذائف ظهره، فشدّ بين ناصيته وقدميه وترا، تشدّ عيناه السهام إلى نار الذاكرة لتلفح الوهن المتكدس في الخيام.
المقاتل في الجيش الحر
يقول “أبو حمزة” نازح من مدينة القصير، تركت كلية الشريعة في دمشق، والتحقت بمتظاهري حمص،
ثم تسلحت مع مجموعة من الشباب، دون مسمى، لنحمي بلدتنا الرستن من هجمات النظام الغادر،
تصوبت في إحدى معارك صد الاقتحام، فقعدت طريح الفراش سنتين، بعدما عطبت قدمي اليمنى.
زارني رفاق السلاح في بيتي قبل النزوح بأيام قليلة، وفي عيونهم دموع فراق المدينة الحتمي،
الرفاق الذين جمعنا سويا ثمن بنادقنا من عملنا الخاص بداية الثورة، وساعدنا بثمنها أهل المدينة الأحرار،
زودني القائد بعكازتين أتكئ عليهما، ووضع مبلغا تحت وسادتي، وحين خرج،
سلمته بندقيتي، وقلت له مال القصير للقصير وأنا أتكئ على العكازتين، ألحوا بأنه ربما أحتاجه في رحلة النزوح، ولكن أصريت أن تتكئ القصير على البنادق.
خرجنا من حمص قصدنا إدلب، في الريف الجنوبي، أكرمت بمنزل يأويني أنا وعائلتي، وهبة دون أجرة، ومن الله علي بالشفاء، فقررت التطوع في مدرسة القرية أرد لهم الجميل.
النزوح الثاني مخيم الضاحية
كان أشدّ قسوة بعد أن سكنت ثلاث سنين جنوبي إدلب، بدأ النظام كعادته بحملته المسعورة،
لا بد من نزوح آخر، فاخترت ريف حلب الشمالي، آوانا هذا المخيم، يلحفنا صيفا بشمس حارقة،
فلنفحه بحرقة القلوب، وفي الشتاء تلزب تربته فتنزلق ذاكرتنا إلى مراتع الطفولة، نختبئ خلفها لعلنا نتناسى ما نحن فيه، وعدت للتعليم في قرية تبعد عن المخيم خمسة كيلو مترات.
لا أملك دراجة نارية ولا حتى أستطيع قيادتها، فما زالت آثار الإصابة في قدمي وظهري، أتكئ على ذاكرتي وأقطع المسافة مستعينا بالذاكرة على طول الطريق، وأحيانا بالمارة من أصحاب السيارات والدراجات.
العائلة والأطفال
أبو حمزة، يستحضر حمزة في دعائه وفي سجوده، لربما يعوضه الله،
بحمزة آخر، بعدما فقد ابنه البكر، في برميل متفجر، يضم ابنتيه الوحيدتين ضمّة مشتاق وهن بين يديه،
يشتم فيهن رائحة الغائب الحاضر، ويراجع المشافي، ربما يجد علاجاً نافعا لشفائه من فقدان القدرة على الإنجاب بعد هول المصائب.
قصة خبرية/ عادل الأحمد