بين القبور الهادئه هناك أرواح نحبها رحلت إلى أجل بعيد ،وقلوب رحلت ولم تُنسى، هناك أناس فارقونا إلى غير رجعة أو لقاء في هذه الدار، وأصبحوا من أخبار الماضي ولم يبقى لنا منهم إلا الذكريات، وإن كان الفراق منذ ساعات، وخاصة إذا كان من رحل هو الأم بقلبها الذي لايعوض بقلوب الدنيا و بعينيها التي نرى من خلالها الوجود جميلا، وبابتسامتها التي تُزيل كل الأحزان والآلام…فلا مرارة في الموت إلا مرارة الفراق.
فالحياة يملؤها الحزن كما الفرح والسعادة كما البؤس والفراق كما اللقاء “ماكنت متخيلة الحياة بشعة لهالدرجة بغياب أمي” تقول ميس الشابة الثلاثينية ثم تجهش بالبكاء وكأن وجع الدنيا يسكن روحها المعتمة، فالفراغ مُوحش بغياب أمها والفراق مرّ كالعلقم وقارس كالبرد ، إنما موجع كحلم اندثر وشعاع شمس تلاشى مع رحيل القلب الحنون، تُحدق ميس بعينيها البنيتين في صورة أمها المعلقة على الحائط تتلعثم في الكلام الممزوج بآهات الحنين تتذكر فيها كل التفاصيل والذكريات التي جمعتها مع أمها “كيف رح اقدر كمل حياتي بدونك يااحن الناس” .
تعرفت ميس على الموت مرات عديدة فقد رأته أمام عينيها وعلى التلفاز وودعت فيه الكثير من الاحبة، لكن لم يكن وقعه بهذا الألم الموجع والغصة المؤلمة التي سكنت أعماق فؤادها فتاريخ رحيل أمها في شهر تموز لعام ٢٠١٥ أفقد الحياة طعمها ومحى كل ألوان الفرح في حياتها وحال دون دافع لرسم مستقبل جميل.
كالذي يفقد روحه بين ثنايا الألم ويعجز عن تقبل لحظات الفراق الأبدي أو استبداله حيث لاسبيل لتغييره، هكذا هي ميس بنظراتها الآملة بأن ماحدث هو كابوس وسينتهي ووجنتيها الكئيبتين لرحيل الأغلى على قلبها والحضن الدافئ لها، فوفاة والدتها كسر جوانح روحها وحطم تفاصيل فؤادها الذي لايحتمل الغم.
فالصدمة كبيرة والفاجعة محزنة وفراق الأحبة ماهو إلا حرمان شديد القسوة يصعب التأقلم عليه بسرعة.
تتذكر ميس أمها بزفرات شوق تحمل الحزن والأسى والحنين إلى صوتها وحماتها وتفاصيلها ويتراسل في مخيلتها ومسمعها اتصالاتها وأحاديثها لتبقى ذكراها في ذاكرة ميس وعلى لسانها داعية دائما لها بالرحمة وسُكنا أفضل وأجمل من هذه الدنيا.
تحقق ميس النجاح الأكبر والحصول على شهادة الدكتوراه ذلك الحلم الذي طالما دعت لها والدتها بتحقيقه والذي غرسته مع ميس سويا، وسُقي بدموع الفرح والحزن معا لينمو كعطر ليلكي يحوفه الحب والإخلاص، ليبقى ذكرى راسخه في مخيلة ميس وذاكرتها وينثر الورود والعطور لتكون دافعها لإكمال ماتبقى من حياتها..
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع