من أكثر المواضيع المهمة في الوقت الحاضر فيما يتعلق بـ«كوفيد – 19» الحاجة إلى لقاح لهذا الوباء الجديد والذي كان له تأثير كبير على صحة الإنسان وعلى الاقتصاد العالمي على حد سواء.
وبعد أكثر من تسعة أشهر على اكتشافه، لم تظهر علامات على اختفائه أو تراجعه بشكل طبيعي كما حدث مع فيروسات أخرى سبقته.
تتمتع اللقاحات بجاذبية كبيرة من حيث قدرتها على حماية البشر، ومن الناحية النظرية فإن إنهاء الوباء وطمأنة الناس إلى أن المخاطر الصحية قد تقلصت أو أزيلت يعتمد فعلياً على اللقاحات. ومع ذلك فإن الكثير من الناس غير مقتنعين باللقاحات، حيث إن إعطاء دواء وقائي قد يعني للعديد من البشر تعرض الأشخاص الأصحاء إلى مخاطر حتى لو كانت بسيطة. وحتى لو نجح اللقاح فإن الفوائد ليست واضحة على الفور لأولئك الذين تم تطعيمهم، لذلك تم التركيز على تطوير لقاحات جديدة في السنوات الأخيرة بالتركيز على السلامة والمزيد من الأمان، وهو ما يؤدي إلى زيادة التكلفة في الإنتاج ويستغرق وقتاً طويلاً أيضاً قد يصل إلى عدة سنوات.
وغالباً ما تظهر مشكلات السلامة في المراحل النهائية من تطوير اللقاح وقد تكون أحداث نادرة نسبياً وقد تفشل اللقاحات بعد إنفاق مبالغ كبيرة ووقت طويل وهو ما يحدث بالفعل مع «كوفيد – 19» بسبب فيروس كورونا المستجد.
– تقييم المخاطر
إن الطريقة الحقيقية الوحيدة لإثبات فعالية لقاح «كوفيد – 19» هي المقياس المباشر فيما إذا كان يحمي البشر من العدوى بالفيروس، وهو أمر ليس سهلاً تحقيقه. يقول جوردون دوغان أستاذ في معهد كامبريدج للمناعة العلاجية والأمراض المعدية بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة في مقاله المنشور في 11 سبتمبر (أيلول) 2020 في Nature Medicine، إنه غالباً ما توفر اللقاحات حماية جزئية فقط وتحمي البعض دون البعض الآخر، وهو ما يطلق عليه فعالية اللقاح. وقد يوفر اللقاح حماية بين 50 و100 في المائة، لكن حتى اللقاح المنخفض الفعالية قد يوفر أحياناً تحفيز مناعة القطيع عن طريق الحد من انتقال الفيروس في المجتمع.
– عودة تجارب أكسفورد
أُعلن السبت 12 سبتمبر (أيلول) عن استئناف التجارب على لقاح محتمل لفيروس كورونا تطوره جامعة أكسفورد البريطانية بالتعاون مع شركة أسترازينيكا بعد توقف مؤقت بسبب مرض أحد المتطوعين. وقالت شركة أسترازينيكا إن التجارب توقفت مؤقتاً للتحقيق فيما إذا كان الأثر الجانبي المبلغ عنه مرتبطاً باللقاح. لكن الجامعة اعتبرت أن الوضع آمن للاستمرار بالتجارب وأن الدراسات يمكن أن تستأنف الآن باتباع توصيات لجنة مراجعة السلامة المستقلة والهيئة التنظيمية في بريطانيا. وكان قد تم تعليق تجربة المرحلة الثالثة من اللقاح يوم الأربعاء بعد أن تبين أن إحدى المشاركات البريطانية كانت تعالج للاشتباه بالتهاب النخاع المستعرض، وهي حالة خطيرة تصيب الجهاز العصبي. ومع ذلك لا يزال التشخيص الدقيق غير واضح والفحوصات الطبية جارية.
– ما مميزات لقاح أكسفورد؟
يعتمد لقاح أكسفورد على ما يسمى بالناقل الفيروسي حيث إن الهدف من اللقاح إنتاج استجابة مناعية لفيروس كورونا. لكن بدلاً من استخدام الفيروس نفسه يستخدم العلماء الفيروس الغدي adenovirus المأخوذ من قردة الشمبانزي. ومن المفترض أن يكون هذا الفيروس فيروساً معدلاً تم تعديله وراثياً ليصبح غير ضار بالبشر. وقام العلماء أيضاً بتعديله للتعبير عن بعض الجينات (التعبير الجيني هي العملية التي يتم من خلالها تحويل التعليمات الموجودة في الحامض النووي إلى منتجات وظيفية مثل البروتين) من فيروس كورونا. وتعتمد الفكرة على أن هذا الفيروس يمكنه إدخال جينات الفيروس التاجي إلى الجسم وبدوره سوف يسمح للجسم بالتفاعل مع منتجات جينات الفيروس التاجي دون أن يصاب به.
– الطرق المختلفة للقاح
يطور العلماء أكثر من 100 لقاح لفيروس كورونا باستخدام مجموعة من التقنيات بعضها بدأ بداية موفقة وبعضها الآخر لم تتم الموافقة عليه للاستخدام الطبي من قبل. وتستهدف معظم اللقاحات بروتين الاشواك التي تغطي أو تحيط بالفيروس والتي تساعده على غزو الخلايا البشرية حيث يقوم جهاز المناعة بتطوير اجسام مضادة ترتبط ببروتينات الاشواك وتوقف نشاط الفيروس دون التسبب بالمرض. وهناك مجموعة اللقاحات التي تحوّر الفيروس التاجي بأكمله لإثارة استجابة مناعية، وهي على نوعين النوع الأول اللقاحات التي تستخدم فيروسات حيّة مضعفة ومعطلة غير قادرة على التسبب بالمرض واستجابة لها تقوم الخلايا المناعية بتصنيع الأجسام المضادة. ومن أمثلتها اللقاحات التقليدية للإنفلونزا وجدري الماء والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية حيث تقع جميعها في هذه الفئة. وتقوم شركة سينوفاك Sinovac وغيرها بتطوير لقاح «كوفيد – 19» على نفس الأساس. أما النوع الثاني من اللقاحات والمعروفة باللقاحات الوراثية وهي لقاحات تستخدم جزءاً من الشفرة الجينية لفيروس كورونا للحامض النووي أما DNA أو RNA إذ يمكن إنتاج كليهما بأسرع من الطرق التقليدية. ولا توجد لقاحات معتمدة من RNA لكنها قيد التجارب السريرية لفيروس كورونا تقوم بها شركات موديرنا Moderna وفايزر Pfizer وبايونتك BioNTech وكيورفاك CureVac وغيرها. وما زال هناك مجموعة أخرى من اللقاحات التي تستخدم فيروسات غدانية لإيصال جينات الفيروس التاجي إلى الخلايا، كما ورد سابقاً، وتقوم شركة جونسن وجونسن Johnson & Johnson وشركة أسترا زينيكا Astra Zenika بتطوير هذه اللقاحات. وهناك مجموعة أخرى من اللقاحات وهي مجموعة لقاحات الجسيمات الشبيهة بالفيروسات وهي عبارة عن جزيئات تحتوي على أجزاء من البروتينات الفيروسية لا يمكن أن تسبب المرض لأنها ليست فيروسات فعلية لكن لا يزال بإمكانها إظهار شكل بروتينات فيروس كورونا للجهاز المناعي وتوليد استجابة مناعية وتقوم شركة ميديكاغو Medicago ومعهد دوهيرتي Doherty بتطوير تلك التقنية.
– ماذا بعد؟
تقول هانا ستاور Hannah Stower محرر مساعد أول في Genome Biology وعلى نطاق أوسع في علم الوراثة كمحرر مشارك في Nature Reviews Genetic في مقالها المنشور في Nature Medicine في 10 سبتمبر (أيلول) 2020: نحن الآن في منتصف الطريق لتطوير لقاحات جديدة في الوقت الفعلي وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيحدث كل هذا خلال الأشهر والسنوات المقبلة. ويمكننا أن نتوقع بعض المخاوف وبعض اللقاحات التي تخرج من السباق. وسنرى تدافعاً للتحصين بمجرد أن تبدأ الإمدادات في الظهور. حيث من المحتمل أن تشتري الدول الغنية الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها وتترك البلدان الفقيرة خالية اليدين. وسيستغرق الأمر عدة سنوات لمعرفة ما إذا كان التطعيم فعالاً حقاً وآمناً تماماً. ومهما كانت النتيجة، نحن بحاجة إلى التعلم من هذا الوباء وأن نكون مستعدين للوباء التالي القادم.
نقلا عن الشرق الاوسط