لم تبدأ مفاوضات جنيف السورية، يوم أمس الأربعاء، كما كان مقرراً، بل تنطلق الإثنين المقبل، في 14 مارس/آذار الحالي، كما أعلن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، على أن تصل الوفود المشاركة في الأيام الفاصلة بين الموعدَين.
لكن كلام دي ميستورا، خلال مؤتمر صحافي، أمس، يكشف مجموعة من الخطوط العريضة التي يتوقع أن تكون حاسمة في مسار المحادثات أو المفاوضات، إذا وافقت المعارضة على المشاركة، بعدما أعلن أن الهدنة السورية “بلا سقف زمني”، في ما بدا إفصاحا عن اتفاق روسي أميركي مخالف لما أُعلن عن أن “وقف الأعمال العدائية مؤقت لأسبوعين”.
وقال دي ميستورا إن المفاوضات تبدأ الإثنين، مشيراً إلى أنّه سيجري لقاءات منفردة مع الوفود التي تصل تباعاً. وأوضح أنّ المفاوضات ستكون غير مباشرة “لأن الحرب في سورية هي بالوكالة”. وأعلن أنّ المحادثات تستمر لمدة عشرة أيام، ويعقب ذلك استراحة لأيام عدة، ثم العودة إليها من جديد. وأوضح أن ذلك سيكون في غرفتَين، وسيتواجد في الموقع الأكثر نفعاً، بحسب تعبيره.
”
أعلن المبعوث الأممي إلى سورية انطلاق المحادثات السورية الإثنين المقبل، في 14 مارس/آذار الحالي، على أن تصل الوفود المشاركة في الأيام القليلة
”
كما لفت المبعوث الأممي إلى أن المفاوضات تركّز على تشكيل حكومة جديدة، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بعد 18 شهراً، معرباً عن أمله في التوصل إلى نتائج إيجابية خلال أسبوعين. وأضاف أنه يُجري حالياً من جانب الأمم المتحدة تقييماً لعملية وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
واستدرك دي ميستورا حديثه قائلاً، “لكن هذه الأمور لن يتم التركيز عليها خلال المفاوضات، لأنها ليست الحل، إنما الحل هو التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن الأزمة السورية”.
وفي انتقاد ضمني لموقف المعارضة السورية التي كانت فد تحدّثت عن مهلة أسبوعين لمسألة وقف إطلاق النار، قال دي ميستورا، إن مهلة وقف الأعمال العدائية مفتوحة ولا تتقيّد بفترة الأسبوعين التي أشارت إليها بعض الأطراف، مشيراً إلى أنّ الخروقات التي حدثت لوقف إطلاق النار، لم تصل إلى حدّ نسف الاتفاق، وخلص إلى أن “ما حدث كان جيداً حتى الآن”، وفقاً للمبعوث الأممي.
وتابع أن “هذه المفاوضات ستركز على المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وطنية، وتعديل الدستور، والانتخابات التي ستعقد في غضون 18 شهراً”. وسارعت الهيئة العليا للمفاوضات إلى اعتبار كلام دي ميستورا “إيجابياً”.
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط إن الهيئة “ترى جدول الأعمال المقترح من قبل الأمم المتحدة لمباحثات السلام إيجابياً”، وإنها “لاحظت تراجعاً في انتهاكات القوات الحكومية للهدنة”. وختم المسلط تعليقه باعتباره أن طرح الانتقال السياسي على جدول الأعمال (من قبل الوسيط الدولي) “أمر إيجابي”.
وأضاف “استمعنا إلى كلام السيد دي ميستورا وفيه نقاط على الأرض نلاحظ أنها تسير بشكل إيجابي… هناك أمور إيجابية.. ولو أنها ليست كاملة”.
وفيما أعلنت حكومة النظام السوري أنّها سترسل وفدها المفاوض إلى جنيف برئاسة مندوبها في الأمم المتحدة، بشار الجعفري في عطلة نهاية الأسبوع، يتوقع أن يصل أعضاء وفد “هيئة التفاوض العليا” للمعارضة برئاسة منسقها العام، رياض حجاب من مدن مختلفة إلى جنيف، قبل الإثنين المقبل. كما أعلن عدد من شخصيات المعارضة الأخرى، ومنهم، قدري جميل، وهيثم مناع، ونمرود سليمان، وجهاد المقدسي تلقيهم دعوات للحضور من دون أن يكونوا جزءاً من وفد المعارضة، أو يشاركوا في المفاوضات، بل سيجرون لقاءات استشارية مع المبعوث الدولي. ويأتي ذلك بعد رفض المعارضة السورية إجراء أي تبديل أو إضافات أو تعديل على وفد المعارضة.
وفي ما يخصّ مشاركة رئيس “الاتحاد الديموقراطي” الكردي صالح مسلم في المفاوضات، قالت مصادر الأمم المتحدة، إنه لم يتم، حتى الآن، أي اتفاق أميركي ـ روسي على دعوته، بانتظار أن تتفاهم واشنطن مع حلفائها بهذا الخصوص، وتحديداً تركيا التي ترفض بشدة حضور مسلم.
ويرى محللون سياسيون أنّ انطلاق المفاوضات الحقيقية الأحد المقبل أو الإثنين، سببه الأساسي انعقاد اجتماع “مجموعة دعم سورية” في باريس، يوم الأحد، والتي ستحدد موقفاً داعماً للمعارضة السورية بشأن القضايا الأساسية التي ستثار في جنيف.
وتولى وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، مهمة الإعلان عن موعد اجتماع الأحد في باريس حول سورية، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، قبل استئناف محادثات السلام في جنيف، وفق ما نقلت عنه وكالة “فرانس برس”.
وأوضح إيرولت، من القاهرة، أمس الأربعاء، أن الوزراء سيبحثون “مدى صمود الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ منذ 27 فبراير/شباط الماضي، وإذا كانت الأمور تتقدم كما نأمل، لتشجيع المعارضة على العودة إلى المفاوضات”، على حدّ قوله.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف ونظيره الأميركي، جون كيري قد قيّما بشكل إيجابي التقدم المسجّل في شأن وقف إطلاق النار على الأراضي السورية، وتراجع كبير في نسبة العنف، بحسب بيان للخارجية الروسية. غير أن فصائل المعارضة السورية وعددا من أعضاء “هيئة التفاوض” المعارضة، أكدوا تواصل الخروقات الجسيمة للاتفاق من جانب القوات الروسية وقوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معهما.
وبينما يريد وفد النظام السوري التركيز على “محاربة الإرهاب” وقطع ما يسميه إمدادات المعارضة من تركيا والأردن قبل الدخول في أية مفاوضات سياسية، ترفض المعارضة بدورها الدخول في مثل هذه المفاوضات قبل وقف القصف وإطلاق سراح معتقلين، خصوصاً الأطفال، والنساء، والشيوخ، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة.
كما أن “هيئة التفاوض” المعارضة تحفظت على حديث دي ميستورا بشأن تشكيل حكومة وطنية، وهو تعبير يستخدمه النظام السوري ويشير به إلى “حكومة وحدة وطنية” تضم بعض المعارضين. وتصرّ “الهيئة” على تشكيل “هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة بموجب بيان جنيف”.
كما تريد أن يكون واضحاً منذ البداية أنه لا مكان لرئيس النظام السوري بشار الأسد في أية عملية سياسية. كذلك يجب أن يغادر الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، وليس خلالها، كما ترغب الولايات المتحدة، وفق تصريحات منسوبة لنائب رئيسها جو بايدن خلال جولته الراهنة في الشرق الأوسط.
عدنان علي – العربي الجديد