الليالي السورية في فيينا لم تكن ليالي انس وطرب وراحة ومزاج، على غرار ما نشاهده في مسلسلات البيئة الشامية الجميلة، بل كانت لياليها ساخنة محتدمة بالحوار المتوتر والمفاوضات القلقة، الى ان تم التوصل الى بيان واعد لا يمكن ضمان تنفيذه بالكامل، لأن الخلافات كبيرة، ولأن معظم الجالسين حول طاولة الاجتماع هم جزء من المشكلة، بل المشكلة كلها. كذلك هم من وضع المشروع التخريبي واشرفوا على تنفيذه، فأدخلوا الشعب السوري في هذا النفق المظلم، وهدموا بادواتهم المحلية والاقليمية البنية التحتية في طول البلاد وعرضها، ولكنهم فشلوا في تفكيك الدولة وهيكلها السياسي ومؤسساتها.
في لقاء فيينا أمسكت روسيا بطرف الحوار كما امسكت الولايات المتحدة بالطرف الآخر، خشية ان تنهار المفاوضات بسبب شخصنة الازمة السورية، وتم تجميد أو تأجيل بعض النقاط الخلافية الكبرى التي يتمسك بها بعض اطراف النزاع، الى أن توصل الجمع الى نقاط التوافق المعلنة، والمتمثلة بوضع دستور جديد يحدد شكل الدولة السورية ونظام الحكم فيها، ثم اجراء انتخابات تساعد على صياغة مستقبل الشعب السوري.
الحل السياسي للأزمة السورية من الممكن تنفيذه وتسريعه، الا أنه من المستحيل انجاحه قبل انهاء وجود التنظيمات المسلحة المتطرفة، واخراج المجاهدين الوافدين المتشددين من الاراضي السورية او القضاء عليهم. والثابت ان وجودهم بهذا الكم تحقق بسبب التسهيلات التي تقدمها دول اقليمية وتمدهم بالمال والسلاح والرجال، وفي مقدمة هذه الدول تركيا التي لم تغلق حدودها بوجههم حتى الان رغم تسللهم الى ديارها.
والحقيقة ان الحكومة التركية في وضع لا تحسد عليه، لأنها اقتربت من نقطة مفصلية مع تثبيت الحل السياسي للازمة السورية، فهي اليوم غير قادرة على الاستمرار في دعم وتسليح وتدريب المسلحين علنا لأسباب داخلية واقليمية ودولية، وبسبب اتفاق فيينا كما لا تستطيع، في الوقت ذاته، محاربة التنظيمات المتطرفة او التضييق عليها، لأن هذه التنظيمات التي نمت في حضن اردوغان ستنقلب عليه اضافة الى انه يواجه مرحلة مضطربة بسبب الانتخابات التي جرت أمس، وبسبب انتهاء الهدنة مع حزب العمال الكردستاني، وتجدد الصراع داخل حدود بلاده، وتراجع الاقتصاد وفشل السياسة الخارجية لحكومته.
والحقيقة الاخرى التي من الواجب أن لا نتجاهلها هي أن التدخل الروسي الجوي الكثيف، اعاد احياء الحل السياسي للازمة السورية، وجمع كل الاطراف المعنية حول طاولة الحوار الجدي المجدي في فيينا، وهي الخطوة التي جاءت متلازمة مع التصعيد بحركة الهجرة الى الدول الاوروبية، والتي دفعت الدول الاوروبية الى البحث عن حل جذري للازمة. كما أن مؤتمر فيينا أعاد الصراع في سوريا الى هويته السياسية الاصلاحية، أي افشال المخطط الذي اراده صراعا طائفيا بين السنة والشيعة على المستوى الاقليمي.
الرأي الاردنية