خلال الأيام الماضية، قُتل وجُرح المئات من الفصائل المسلّحة السورية في غوطة دمشق، نتيجة الصراع المشتعل بين كل من جبهة النصرة من جهة (تتمثل في جيش الرحمن وفيلق الفسطاط)، وجيش الإسلام من جهة أخرى.
بعض الأصدقاء السوريين في المعارضة وضعوا على صفحاتهم الإلكترونية (على موقع “فيسبوك”) تسجيلات مصوّرة ومسموعة للخلافات التي تدور بين هذه الفصائل المسلّحة. في أحد هذه التسجيلات التي كنت أستمع إليها، شخص يدعى أبو محمد الأردني، من “شرعيي جبهة النصرة”، ومعه شخص سوري، يناقشان سكان قرية في الغوطة ويحرضونهم على قتال جيش الإسلام.
الأردني المذكور، والذي لا أعرف اسمه الحقيقي، معوّق ذهنياً ونفسياً، ولا يعرف لا معنى الثورة الديمقراطية ولا يفهم القيم التي تأسست عليها روح الحراك الشعبي السلمي الأول في درعا، والذي امتد إلى باقي المدن والمحافظات السورية!
بالطبع، هذا ليس دفاعاً عن جيش الإسلام، ولا أعرف من صاحب الحق، ولست معنياً. وأعتقد أن هذه الفصائل كافّة، سواء جيش الإسلام أو جيش الرحمن أو الفسطاط أو أي فصيل آخر، استبدلوا معاني الثورة وقيمها، وهذا البديل ليس من الثورة ولا من الثوّار، ولا يخدم الأهداف الأصيلة لثورة الشعب السوري.
كنتُ أستمع إلى الناس الذين يناقشون الأردني المذكور، وهم يتحدثون بعقلانية وواقعية أكثر منه بكثير، وشعرتُ بالحزن والآسى أنّ هذه التضحيات الهائلة العظيمة لسكان الغوطة ومن قُتلوا خلال الثورة، وللشباب الذي يتعطش للحرية، تؤول إلى هذه الصورة من الصراع الداخلي بين الفصائل المسلّحة، التي بدلاً من أن تتفرّغ لقتال الجيش السوري واقتحامه الجديد للمناطق الجنوبية في الجبهة، يخصصون الجزء الأكبر لقتال بعضهم بعضا.
في تسجيلات أخرى، تجد شباباً أردنيين آخرين يمسكون بمقاليد السلطة في “النصرة” بريف دمشق، مثل المدعوين أبو خديجة وأبو الوليد، وأشخاصا آخرين، يحددون للسوريين المطلوب منهم وأسلوب حياتهم!
ليست المشكلة في الغوطة وحدها. دعونا نتحدث بصراحة ووضوح! محافظة إدلب أصبحت أشبه بإمارة لجيش الفتح، أي جبهة النصرة وأحرار الشام، وهي فصائل أيّاً كان تصنيفها دولياً وإقليمياً، لا تمثل الثورة السورية ولا أهدافها، ولا تسعى إلا لإقامة دولة إسلامية أصولية، مع الفرق -بالطبع- بين “الأحرار” و”النصرة“.
وفي الرقّة وريف دير الزور وريف حمص وريف حلب، “داعش” وما أدراك ما “داعش”! وفي ريف حلب وجزء من المدينة الجبهة الشامية وفصائل أخرى أكثر اعتدالاً، لكنّها أقل قوة وقدرة على الصمود.
ربما المكان الوحيد الذي فيه وجود معقول للجيش الحرّ هو محافظة درعا، لكنّها أيضاً تعاني من التنافس والانقسام والصراعات.
بالطبع، ومن البدهي، أنّ المسؤول الأول والأخير عن صعود التطرف والتشدد وهذه القوى هو النظام السوري بسياساته الدموية منذ البداية، التي لا تجلب إلاّ خطّاً راديكالياً، ومشروعات انتحارية قادرة على الصمود في وجه آلة الموت، ما عزّز من قوة تلك الفصائل في مواجهة الخيارات الحقيقية الأولى للثورة السورية.
في الهدنة الأخيرة، عندما توقف صوت الرصاص، ظهرت المسيرات السلمية مرّة أخرى، وعاد صوت الثورة الحقيقية، ولقيت تلك الأصوات قمعاً من “جبهة النصرة” كما من النظام السوري، فلا يوجد طرف منهما أفضل من الآخر لصالح سورية.
الطرف الأول يريد تحويل سورية إلى أفغانستان وأمراء حرب، وأن يعيدوها إلى العصور الوسطى. والطرف الثاني؛ أي النظام السوري، لم يعد موجوداً أصلاً، فقد أصبح ملحقاً بإيران وولاية الفقيه!
عودة المسيرات السلمية كانت دليلاً ساطعاً على أنّ تلك الفصائل والأفكار ارتبطت بالحرب وبجرائم النظام والرد عليها، ولن تكون في الظروف العادية خياراً، بحال من الأحوال، للشعب السوري.
الغد الأردنية