على تلك الضفاف الخضراء التي يعلو فيها نقيق الضفادع وزقزقة العصافير لنهر العاصي في سهل الغاب كان العم محمود يتفقد مزروعات أرضه فيمر على حقل الذرة ثم الفلفل ثم البندورة ثم الفاصولياء التي زرعها مساكب مساكب فيمسك بيده حفنة من التراب ويعتصرها بيده ليعلم بخبرته إذا ما كانت تحتاج لسقاية.
استيقظ أهالي قرية العم محمود في آخر يوم لهم فيها على أصوات القذائف والمدافع والغارات وخبر يقول أنّ النظام يقتحم مناطق سهل الغاب، وبدأ المسلسل الذي عاشه جميع النازحين من مناطقهم في سوريا، تحمل أثمن وأخف ما تستطيع حمله وتمضي بدون وجهة محددة، فقط بعيدًا عن هذه القذائف والغارات التي تحصد الأرواح.
العم محمود اليوم ليس على تلك الضفاف ولا في تلك الحقول ولا في بيته على رأس بستان الزيتون ولا تحت شجرة الكينا يرمق أعشاش الطيور.
إنه الآن في مساحة ضيقة لا تعدو العدة أمتار وفوقه سقف مليء بالشقوق التي تسرّب المياه فوق الأثاث الذي أبلته سنوات النزوح المريرة مع كل قطرة مطر.
يقول العم محمود “لولا أنّ تمني الموت حرام لتمنيته كل يوم ودعوت به على نفسي، إنّ الأرض التي كنت أعيش لحرثها وزراعتها وحصدها خسرتها في النزوح والآن أعيش في هذه الخرابة التي لا تقي حرّ صيف ولا برد شتاء ولا ماء مطر، وأنا أملك أربعة بيوت في بلدتي لا أستطيع العيش فيها.
حرمتنا تلك الدول الظالمة إيران وروسيا وغيرها من أرضنا وادّعوا أنهم يساعدوننا، قسموا لنا بلادنا ووضعوا الحدود بيننا وبين أراضينا”.
توقف العم محمود عن الكلام ريثما مسح الدموع عن وجهه ثم تابع يقول “لدي ابن في سجون الأسد منذ ثماني سنوات ولا أدري إذا كان على قيد الحياة، ولكنني للأسف أتمنى ألا يكون كذلك لأنّ الحياة في تلك السجون أصعب من الموت.
ويردف قائلًا بحرق المنهك المعذّب “لدي أيضًا ابنان في سن الزواج ذهبا إلى تركيا للعمل وأنا أفكر دائمًا كيف سأزوجهما وأين ومتى ولكن لا أجد أي إجابة”.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/460968595831900/?extid=WA-UNK-UNK-UNK-UNK_GK0T-GK1C&ref=sharingا
بهذه المأساوية يعيش العم محمود الذي تجاوز عمره الـستين عامًا وزوجته وابنته في مخيمات النازحين على الحدود السورية التركية كغيرهم من آلاف العائلات النازحة التي خسرت بيوتها وأراضيها، ومطلبهم الوحيد أن يعودوا لأراضيهم وحياتهم.
بقلم : محمود العليوي