في الوقت الذي ينهي فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما ولايته الرئاسية الثانية في ظل فشل مدوّ في سورية لإدارته، وفي ظلّ تبعية مستدامة لبلدان الاتحاد الأوروبي للحليف الأميركي، أظهرت غياباً كلياً لسياسة أوروبية موحدة ومستقلة، بدأ الدبّ الروسي يستعيد بعض عافيته، عبر فرض وصايته على سورية، واستعادته لدور دبلوماسي، لم يعد بالإمكان تجاهُلُه.
في هذا الصدد كرّست صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية اليمينية، في عددها الصادر اليوم الاثنين، ملفاً كبيراً للوضع في سورية، من خلال عنوان رئيسي: “كيف تقود روسيا اللعبة في سورية؟”.
حتى الافتتاحية، وهي من توقيع فيليب جِيلي، خُصّصت للموضوع السوري، وكانت بعنوان “بوتين قائد الجوقة”، وهي افتتاحية ترسم مَشهداً لسورية باعتبارها أصبحت دمية حقيقية في يد الزعيم الروسي.
كما يُعدّد كاتب الافتتاحية الأهداف التي تقود سياسة بوتين في سورية، بالقول، إنها “تطهير هذا البلد من الجهادية وتأمين رأس جسر استراتيجي في البحر المتوسط وتنصيب نظام صديق وتحييد الطموحات المنافسة لتركيا، وأخيراً وهو مسك الختام، منح درس لأميركا وأوروبا”.وتقول الافتتاحية، إن “المجتمع الدولي يسير وفق مشيئة عصا فلاديمير بوتين السحرية، ووفق استراتيجيته العسكرية ولعبه الدبلوماسي وخططه في الاتصال. إن بوتين، باعتباره سيد الأرض، والآمِر بإطلاق النار وبعقد الهدن وصانع دُمَى الفاعلين السياسيين، استولى على هذا البلد الغارق في الفوضى منذ خمس سنوات، من أجل الأسوأ أو الأفضل”.
كما يستعرض صاحب الافتتاحية الفشلَ الغربي اللاذع في سورية، ويعبر عن ذلك، حين أورد في مقاله: “حين يراد الحديث عن مستقبل سورية، لا يتم التوجه إلى أوباما ولا إلى هولاند ولا كاميرون أو ميركل. بل يُقصد فلاديمير بوتين”.
وينهي الصحافي افتتاحيته بخلاصة مفادها: “إذا كان لبوتين، على الرغم من دخوله الساحة السورية، بشكل متأخر، حظّ في ما يحدث، فلأننا أضَعنا كلَّ حظوظنا”.
وتكشف صحيفة “لوفيغارو”، أنها استطاعت، مع صحف أخرى، أن تراقب عن كثب عمليات للجيش الروسي في سورية، وإن اعترفت أن الزيارة جرت “تحت مراقبة روسية”. وتوهمنا الصحيفة أن الرئيس الروسي بوتين، أصبح من الآن فصاعداً، لا يخفي هيمنته الأخلاقية والسياسية على مجمل الملف السوري.
إلى ذلك، جاء في مقال آخر، أنه في بضعة أشهر تفوقت روسيا على الولايات المتحدة الأميركية وعلى التحالف العربي والغربي في سورية. إذ “قلَب تدخُّلُها مجريات الحرب”، وأصبحت اليوم، حسب الصحيفة، “تُشدّد على دورها كوسيط بين السنّة والعلويين، وتقدّم المساعدة الإنسانية، وتجعل من نفسها حامية للتراث التاريخي الإنساني في تدمر”.
وتقول الصحيفة إنه “لا يمكن الوصول لأي حلّ سياسي في سورية من دون موافقة الكرملين. والمسؤولون الدوليون أصبحوا يتوافَدون على بوتين من أجل معرفة مشاريعه وسَبْر نواياه”.
وتستعرض “لوفيغارو”، الاستراتيجية الروسية في سورية، المتمثلة في مواصلة القصف رغم انخفاض الطلعات (نحو 80 طلعة في اليوم)، وفي إرساء ما تسميه “سلطة أخلاقية من أجل مساعدة نظام الأسد”، عبر “لعب دور في الوساطة بين السنة والعلويين”.
وتستشهد الصحيفة بالجنرال الروسي كوناشينكوف، الذي يرفض اتهامات المنظمات الدولية والإنسانية والحقوقية التي تدين الطيران الروسي والسوري بارتكاب جرائم حرب، ويقول: “إنها مجرد كلمات”. حسب تقييمه. كما يطلب من الصحافيين ألّا يطرحوا أسئلة، وأن يكتفوا بتلمّس ما يحدث على الأرض.
ويعبر عن ذلك بالقول: “الوقائع أمام أعينكم.. ما كان بمقدوركم قبل سنة أن تضعوا أرجلكم هنا. إني أسمع، دونما انقطاع، نفس الانتقادات. لماذا لا تعترفون بما يجري حقيقة؟ لقد حررنا 500 بلدة ونعمل فيها على بناء مدارس”. على حد قول كوناشينكوف.
كما تستحضر الصحيفة، عملية “تحرير” المواقع الأثرية في تدمر، والهيمنة الروسية على الوضع في سورية، وتورد، أن “الموقع يوجد الآن تحت حماية الجيش الروسي، الذي شيّد على الفور قاعدة عسكرية بجانب أطلال المدينة الأثرية التي تعتبرها منظمة اليونسكو من التراث العالمي. وبطريقة رمزية جداً، يظهر بورتريهان كبيران للرئيسين بوتين والأسد في مدخل الموقع الأثري”.
في سياق الملف، ينقل مقال آخر بعنوان: “الجيش الروسي يُظهر، علانية، مَواهبَه في الوساطة”، بعض المظاهر البائسة عن هذه الوساطات التي بدأ بعضها قبل سنة، وبعض المشاهد عن ملثّمين، يقول الروس إنهم كانوا من تنظيم “جبهة النصرة”، يلقون أسلحتهم، للاستفادة من العفو، ثم ينصرفون، ولا تستطيع الصحيفة اللحاق بهم.
وتعترف الصحيفة في نهاية الأمر أن المسافة شاسعة بين البروباغاندا الروسية تجاه المصالحات، وبين الحقيقة في سورية. وكتبت بهذا الصدد: “ثقة السُنّة المستعادة في الأسد تظلّ شفهية ولا تُتَرْجَم إلى وقائع، على الأقل في الوقت الراهن”.
وينتهي الملف بمقال عن “موسكو، سيدة اللعبة الدبلوماسية”، تقول فيه الصحيفة، إن “موسكو أصبحت، من الآن فصاعداً، قادرةً على إملاء رؤيتها حول أي وقف لإطلاق النار في سورية”.
العربي الجديد