قمر طالبة في كلية الآداب. فتاة حسناء تملك روحا مرحة تحب الحياة وتطمح أن تصبح ثرية. تطوف البلدان شرقا وغربا. تركب أفخم السيارات وتسكن أبهى المنازل وأغلاها ثمنا.
أمضت سنوات دراستها الجامعية مع “شلتها” المكونة من فتيات بطبقات اجتماعية متنوعة. فمنهن الرزينة الرصينة. وأخرى المتهورة، وثالثة المثابرة في دراستها لتتخرج وتعود إلى قريتها لتحمل مع أهلها أعباء الحياة. ورابعة وخامسة وسادسة همهن قضاء معظم الأوقات بالأكل والشرب في ندوة الكلية.
كانت قمر تسكن حينها في أحد أحياء حلب القديمة في منزل قديم تتوسط ساحته “بحرة” تتوزع حولها أنواع لا حصر لها من نباتات الزينة والزهور, وبالقرب من منزلها دكان صغير لبيع ملحقات أجهزة الهواتف الخليوية, صاحبه شاب رقيق وقع في حب قمر وأغرم بها كثيراً.
إلا أنها لم تكن تكترث له ولا لحبه، فهو بالنسبة لها بعيد كل البعد عن فتى أحلامها وما تتطلع إليه, فلن يستطيع هذا الشاب المسكين أن يأخذها الرحلات السياحية وأن يؤمن لها السيارات الفارهة وماركات اللباس وغيرها.
تخرجت قمر من الجامعة بعد عناء. فلم تكن حينها تهتم لموضوع التخرج.. فالمجيء إلى الجامعة كان متنفسها للخروج من ذلك الحي المنغلق حسب رأيها, كانت تقول في جلساتنا: “لشو اركض عالتخرج.. حتى ارجع للقبر اللي ساكنة فيه … ومايبقى عندي حجة لأطفش من واقعي التعيس”!
بسبب جمالها اللافت خطبت من قبل معظم طلاب الجامعة .. من طلاب قسمها وغيرهم.. رفضتهم جميعا لأنهم لم يلبوا مستوى أحلامها.. لنتفاجأ “نحن صديقاتها المقربات” بدعوة مفاجئة لحضور حفل زفافها على رجل أعمال كبير يملك معرضا كبيرا للسيارات في دبي, تم الزواج خلال أيام لتطير إلى دبي وتقضي شهر العسل هناك.
بعد عدة أسابيع من عودتها اجتمعت “الشلة” لتهنئة العروس السعيدة, ساد الجلسة الحديث عن السعادة والنعيم الذي طالما حلمت به, وتحقق.
ليلفت انتباهي صورة تظهر فيها قمر بجوارها طفلتان لتخبرنا أنهما بنتا زوجها, فقد كان متزوجا قبلها من أخرى وطلقها, أما البنتان فلكل منهما خادمة تعتني بها وترعاها.. ولا مسؤوليات ملقاة على عاتق قمر تجاههما.
لم تمض شهور حتى انكشفت أحداث جديدة في قصة طليقة زوجها.لتكتشف أنه تزوج بها نكاية بزوجته السابقة التي طلقها عقب خلاف بينهما, ويخبرها أنه تسرع بالزواج بأخرى وأنه يحب زوجته الأولى أم بناته.
تروي لنا قمر مشهد طلاقها بحرقة وألم “طلقني لانه لما رجع يراضيها شرطت عليه يطلقني.. والقهر كان وقت رجع لعندها ليردها قالتلو مابدي ياك بس رجعتلك الصفعة اللي صفعتني ياها بزواجك”!
لم يكتفِ الزوج الماكر ليسارع بإقناع قمر للعودة له متذرعا بحجج وتبريرات كاذبة، إلا أنها هذه المرة كانت قد صحت من أحلامها السطحية واللهث وراء المظاهر.
رفضت طلبه وعادت أدراجها إلى بيت أهلها الذي طالما ضاقت ذرعا منه.
عادت تجر ذيول الخيبة والندم. فقد كان درسا قاسيا تعلمت منه أن كرامة المرء أهم من المال، وأن ما كان مبلغ حلمها أصبح مصدر ألمها بسبب سوء اختيارها ونظرتها السطحية وتجاهلها لقيمة الأمور وجوهرها.
هاهي قمر بعد مرور عشر سنوات على تجربة زواجها الفاشلة.. تنعم بسعادة بالغة مع من أحبها بصدق وبراءة . جارها البائع البسيط المتواضع . تزوجا بعد سنة من طلاقها ورزقا بطفلتين وولد.. يعيشان حياة سعيدة يملؤها الحب والسكينة، ولكن لا يخلو الأمر المعاناة لضيق الحال المعيشية.
لن نحصل على كل ما نتمنى لكننا نستطيع أن نحقق السعادة بالرضا بما لدينا، وندرك أن ما فاتنا لم يكن لنا بالأساس.
قصة خبرية/نهلة الحلبي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع