غزل شابة في العقد الثالث من العمر لكن لا تتذكر الزمن الذي عاشت فيه طفولتها كبقية الأطفال، وذلك بسبب تعرضها للإعاقة في الثامنة من عمرها وقد نشأت غزل وسط أسرة فقيرة تشكو معاناة متعددة الوجوه بسبب الفقر والألم والكثير من الأماني الراسية على شواطئ العمر.
تقول غزل ” ماكان فيني شي بس بتذكر انو صار معي حُمى شديدة ومن وقتا ماعاد قدرت امشي ع رجليي”، وتعتبر غزل ذات العيون الزرقاء والجسد النحيل حياتها كلها تعب ومعاناة بسبب حرمانها من كل شيء تحب أن تمارسه وتقوم به لكن حب عائلتها والدفء الأسري الذي يحيطونها به دفعها لتحمل مسؤولية القيام بمعظم أعمالها الخاصة محاولة تلبية احتياجاتها بنفسها .
وبدموع الأسى تحكي والدة غزل حال ابنتها والحيرة تخنق أنفاسها وهي تطيل النظر إلى معاناتها الطويلة والدائمة فتقول ” كتير بزعل ع بنتي لانها ماقدرت تعيش طفولتها متل باقي الولاد وهلق صارت صبية وبتمشي عالعكازات مابتحسن تعيش حياتا متل باقي الصبايا “. ومما زاد ألم غزل سوء أحوال عائلتها المادية التي لا تستطيع تلبية رغباتها لممارسة بعض الأنشطة والهوايات داخل غرفتها التي نادراً ما تغادرها .
تحاول غزل لملمة دموع الحسرة لتستذكر تعبها وآلامها خلال السنوات الماضية ” صدمتي وقت حاولت امشي وما قدرت وقف ع رجليي ، هيي كانت أكبر مأساة بحياتي”. منذ ذلك التاريخ في عام 2001 انقلبت حياة غزل لتتحول إلى وجع دائم مصحوب بالقهر والتعب اللانهائي ، ليكون اعتمادها الأول والأخير على عائلتها لمساعدتها في معظم أمورها ،وفي حياتها الدراسية أظهرت تفوقاً مميزاً وحققت نجاحاً رائعاً وتخرجت من كلية الفنون الجميلة ، حاملة في قلبها أملاً بأن الوظائف ومجالات العمل ستكون بانتظارها ، لكنها تفاجأت برفض أصحاب العمل توظيفها لكونها معاقة مما جعلها محبطة ويائسة الأمر الذي لا تعاني منه غزل لوحدها فقط بل هناك العشرات ممن قد لا تتوفر لهم فرص العمل لنفس السبب .
تكمل غزل حديثها ” كتير بنزعج وقت الناس تطلّع عليي بنظرة شفقة وقتا بحس بالاهانة وبالعجز التام “، وطالما كانت نظرة الناس السلبية هي الألم الذي لا يصدر صوتاً إنما يُحدث وقعاً مزعجاً وموجعاً في روح غزل ومشاعرها لتسترسل دموعها متقاطرة على وجهها الأبيض نتيجة إعاقة جسدية غيرت حياتها وقلبت كيانها وحرمتها معاني الفرح والحركة بحرية دون قيود أو نظرات متراوحة ما بين الشفقة وبين السخرية ،فحالها لن يتغير بعد عجز الأطباء عن علاجها ووضعها كما هو بل يزداد الأمر سوءاً مع التقدم بالعمر .
بعد نزوح غزل من بلدة طيبة الإمام في ريف حماة إلى الشمال السوري عام 2014 تعرفت على الكثير ممن يشبهون حالتها معظمهم يمارسون حياتهم بشكل جيد ويقومون بأعمالهم على أكمل وجه بل ويحرزون تفوقاً ، الأمر الذي جعلها تستمد التفاؤل والطاقة الإيجابية من كل قصة نجاح تشاهدها فتعطيها أملاً بأن الحياة لا تتوقف عند أي مشكلة ولا تتراجع أمام عائق مهما عظم أمره ، لتجعل غزل من هذا كله أملاً قوياً لترك بصمتها في مجال الفن والرسوم الجميلة المعبرة .
تزوجت غزل عام 2017 و رُزِقت بطفلة جميلة تحمل ملامح أمها الهادئة لتكون تلك الطفلة الدافع الأكبر لغزل لاستمرار بالحياة بكل قوة وتفاؤل وبأن الحياة وإن أخذت منا شيئاً نحبه لابد من أن نحظى بشيء ربما يكون الأفضل و الأجمل .
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع