ليست عبارات مثل «أزمة اللاجئين» في محلّها. فهي تشير الى أن ثمة ارتفاعاً استثنائياً في عدد الغرباء الذين بلغوا أوروبا، وأنهم يهددون أنظمتها الاجتماعية – الاقتصادية. وهذا يخالف الصواب. ووصل مليون مهاجر الى الاتحاد الأوروبي في 2015، ونسبتهم من مجمل سكان الاتحاد هي 0.2 في المئة. وأوروبا تحتاج الى المهاجرين للحفاظ على توازنها السكاني وعلى التوازن بين من هم في سوق العمل ومن هم خارجها. وإذا رغبت فرنسا في تمويل تقاعد المتقدمين في السن أو تعليم الشباب اليافع، وجب عليها استقبال اللاجئين.
وعلى خلاف الفكرة الراسخة، ليس المهاجرون عبئاً، ولا علاقة سببية بينهم وبين البطالة والهجرة. ومساهمة المهاجرين في الاقتصاد يعتد بها. والكلام على أزمة مهاجرين يفتقر الى الإنسانية في وقت أن 10 آلاف شخص غرقوا في المتوسط منذ 2014 الى مطلع حزيران (يونيو) 2015. وتركت أوروبا اللاجئين يتكدســون في لبنان والأردن وتركيا، وهم قنبلة موقوتة في هذه الدول ومصدر نزاعات وخلل جغرافي – سياسي كبير. ويبذل الاتحاد الأوروبي مبالغ ضخمة على مراكز اعتقال اللاجئين وبطاقات ترحيلهم وتكنولوجيا تحسين أمن الحدود، عوض إنفاقها على استقبالهم. ووراء كلمة «أزمة» فكرة الطفح. ومنذ نهاية السبعينات، ينظر الى الهجرة على أنها مشكلة.
ومذذاك تسعى السلطات الى «حلول» تقلّص عدد المهاجرين. لكن التاريخ شاهد على أن المشكلة لا تنجم عن المهاجرين بل عن سوء الإعداد لاستقبالهم. وبلوغ مليون روسي إسرائيل (وكان عدد سكانها 6 ملايين) في التسعينات لم يؤدّ الى أزمة. ويعود عدد اللاجئين الكبير الذين ينامون في الأماكن العامة في باريس الى اضطرار رجال ونساء وأولاد الى التجمع في مكان واحد نتيجة إغلاق الحدود والحؤول دون انتقالهم الى حيث يجدون مكاناً يلائم خبراتهم وتجاربهم. وهم يتجمعون في الأماكن العامة حيث تغلق الحدود، أي في كاليه ولسبوس وسبتة ولامبيدوزا. وميزت قناة «الجزيرة» بين لاجئ ومهاجر. وكأن المهاجر الذي يبحث عن لقمة عيش أقل شأناً من ذلك الذي يهرب حفاظاً على حياته. والتمييز بين لاجئ ومهاجر لا تقوم له قائمة. فالناس تهرب لأسباب هي، في آن، سياسية واقتصادية. وتعريف اتفاق جنيف في 1951 اللاجئ يرسخ تراتبية غربية موروثة من الحرب الباردة: الحقوق المدنية (الهرب من نظام سوفياتي أو شمولي) أعلى كعباً من الحقوق الاجتماعية – الاقتصادية. لكن هذا التعريف ليس بائتاً، ولم ينقض. فاللاجئون في الحرب الباردة لم يكن جلّهم من المناضلين الهاربين من دولهم لأسباب سياسية، على رغم الاحتفاء بالمعارضين السياسيين اللاجئين واعتبار أن هربهم دليل على تفوّق الأيديولوجيا الرأسمالية على الأيديولوجيا السوفياتية. لكن المصاعب التي حملت المجريين والتشيخيين والفيتناميين على وضع الرحال في أوروبا الغربية ليست سياسية فحسب، بل كانت مزيجاً من عنف سياسي وعنف اجتماعي – اقتصادي جماعي- وفردي.
والاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا المبرم في 18 آذار (مارس) المنصرم، يقضي بترحيل كل من يبلغ اليونان الى تركيا. وهو لا يميز بين لاجئ «حسن وآخر سيئ، بل يعيد على أعقابهم كل المهاجرين سواء كانوا طالبي لجوء أو طالبي العيش الكريم. ويشمل الاتفاق اللاجئين من دول مثل أريتريا وسورية على رغم أنهم غالباً ما يحظون بحماية قضائية في الاتحاد الأوروبي. وهذا الاتفاق يطيح حق طلب اللجوء حين بلوغ البر الأوروبي.
* دارسة اجتماعيات، أستاذة محاضرة في العلوم السياسية في جامعة باري – أويست نانتير، باحثة، عن «لوموند» الفرنسية، 9/7/2016، إعداد منال نحاس
النسخة: الورقية – دولي
مركز الشرق العربي