تشرح عمليات المحاكاة الجديدة كيف انتهى المطاف بالكوكب المحاط بحلقات بقمر واحد عملاق يهيمن على أشقائه الأصغر منه حجما.
وفي هذا التقرير الذي نشرته مجلة نيوزويك الأميركية، قالت الكاتبة نادية دريك إنه حسب الأساطير الكلاسيكية التهم الإله كرونوس -الذي يطابق لدى الرومان الإله ساتورن (زحل)- أبناءه حديثي الولادة لمنع حدوث انقلاب سبق أن وقع التنبؤ به، لكنه لم ينجح في ذلك وأصبح زيوس ملكا لجميع الآلهة.
قمر عملاق مهيمن
وأفادت الكاتبة بأنه في علم الكواكب ظهر سيناريو مشابه حين أعاد العلماء محاكاة عملية تطور الكواكب الضخمة مثل زحل الذي يتميز بنظام أقمار يهيمن عليه قمر واحد ضخم يعرف باسم “تيتان”.
وعادة ما تلتهم تلك الكواكب التي جرت محاكاتها إما شبكتها المدارية، أو تتمكن العديد من الأقمار الهائلة من النجاة إلى أن تبلغ مرحلة البلوغ، مثل أقمار غاليليو الأربعة التابعة لكوكب المشتري، إذًا، كيف انتهى المطاف بكوكب زحل بقمر عملاق واحد وعدد من الأقمار الصغيرة؟
وباستخدام مجموعة من عمليات المحاكاة المفصلة نشرت في دورية “أسترونومي آند أستروفيزيكس” حدد فريق من علماء الكواكب تفسيرا لكيفية تجنب قمر مثل تيتان الانحراف على مقربة من زحل.
مبالغة في التبسيط
وبحسب الدكتورة يوري فوجي من جامعة ناغويا والمؤلفة الرئيسية لهذه الدراسة الجديدة، فإن “تيتان يعتبر واحدا من أكبر الأقمار الموجودة في نظامنا الشمسي، لذلك، أرغب في الكشف عن مصدره”.
وأشارت الكاتبة إلى أن الكواكب الضخمة في مراحل تطورها المبكرة تحاط بقرص دوار من الغاز والغبار، وعادة ما تتكون أغلب أقمارها -إن وجدت- في الوقت نفسه مع الكوكب الموجود في ذلك القرص، وقد يكون بعضها صغيرا وجليديا، في حين أن البعض الآخر قد يصبح مثل تيتان أكبر قمر في النظام الشمسي.
وأوردت الكاتبة أن تيتان -الذي يعتبر أكبر من كوكب عطارد من حيث الحجم- هو عبارة عن كتلة ضخمة تتكون من بحار سائلة من الهيدروكربون وزبد كثيف من النيتروجين، لكن حين حاول العلماء محاكاة الطرق التي نمت بها هذه الأقمار وتطورت نتجت عن ذلك أنظمة أقمار لا تتماشى مع الواقع الحقيقي.
وفي هذا الشأن، أفادت الدكتورة فوجي بأن هذه المحاكاة بالغت في تبسيط عملية تحرك الأقمار، وكيف تتصرف تلك الأقراص الغازية المحيطة بالكواكب بشكل كبير.
محاكاة أكثر تفصيلا
وأضافت الكاتبة أن الدكتورة فوجي حاولت برفقة أحد زملائها إجراء محاكاة أكثر تفصيلا لكيفية تشكل قمر لكوكب ما يبعد عن الشمس نفس بعد كوكب زحل.
وعوضا عن التفكير في جرم سماوي كبير محاط بقرص غازي مبسط صممت الدكتورة فوجي بيئة تتميز بدرجات حرارة جيدة وكثافة أكثر تعقيدا ودقة، ثم أضافت تعديلات على كمية الاضطرابات في الغاز ذاته.
وإثر ذلك، أجريا محاكاة لأكثر من 100 ألف عام من تطور القمر، مضيفين إلى ذلك تدافع الجاذبية الناجم عن هجرة الأقمار والمسؤولة عن تبدد القرص بمرور الوقت.
يشار إلى أن الدكتورة فوجي كشفت عن تكون مساحة كبيرة من الفضاء داخل القرص الذي يعمل كمنطقة أمان، وهي عبارة عن مساحة من الغبار مع تغير حاد في درجة الحرارة بين الحافة الداخلية الأكثر دفئا الأقرب إلى الكوكب، والحافة الخارجية الباردة الأقرب إلى الفراغ.
وأشارت الكاتبة إلى أن الغاز الدافئ داخل هذا النطاق يمنع أقمارا بعيدة مثل تيتان من التحرك إلى الداخل لتصبح وجبات خفيفة يلتهمها الكوكب اليافع، لكن الأقمار الموجودة بالفعل في المناطق الداخلية من منطقة الأمان لا يحالفها الحظ.
مثيرة للاهتمام.. لكنها تقليدية
وأكدت الدكتورة فوجي أن المحاكاة أنتجت نظام أقمار يحتوي على قمر واحد كبير حول كوكب يشبه كوكب زحل على الرغم من أن هذه النتيجة تعتمد إلى حد كبير على المدة التي يستغرقها الغاز في القرص للاضمحلال، وإلى أي مدى قد تكون الأقمار الضخمة بعيدة عن الكوكب في البداية.
وفي هذا الشأن، قالت الدكتورة فوجي “اكتشفنا لأول مرة حالتين وشرطين ليصبح عدد الأقمار الضخمة واحدا فقط”.
من جهته، قال لوك دونز -وهو خبير في حلقات الكواكب والقوى المحركة للنظام الشمسي في مؤسسة البحث الجنوبية الغربية في بولدر في كولورادو- إن عمليات المحاكاة كانت “مثيرة للاهتمام، ولكنها تمهيدية”، وكان متشككا بشأن ما إذا كان بوسعهم الكشف عن كيفية تشكل الأقمار ونموها على نطاق أوسع.
فعلى سبيل المثال، تساءل دونز عما إذا كان هذا العمل سيعيد إنتاج نظام أقمار مثل كوكب المشتري، نظرا لأن ظروف بدء التكون التي تشبه المشتري ستكون مختلفة إلى حد كبير عن كوكب زحل الذي تمت محاكاته.
وخلصت الكاتبة إلى أن دراسة أصول كوكب زحل وتيتان ما زالت بحثا عالقا، حيث إن الأقمار في النظام الشمسي الخارجي أصبحت الآن في طليعة البحث عن الحياة خارج الأرض.وكما هو الحال مع أي غموض علمي، فإن تيتان القمر ذا اللون البرتقالي والضبابي هو عالم قد تشمل ثرواته أشكال حياة مع كيمياء غريبة ما فتئ يتفوق على العلماء ويتطلب أكثر من مجرد نظرة ذكية من بعيد لسبر أغواره.
نقلا عن الجزيرة