العداء لامريكا والتشكك في الغرب ظاهرة شائعة بين الأتراك، ولا تقتصر على شرائح معينة في المجتمع. وسيدهش المرء عندما يرى شدة العداء لأمريكا وللغرب بين النخب المثقفة حتى بين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب.
وعندما نصل إلى الدبلوماسيين الأتراك فإن لديهم نصيبا من الشكوك تجاه الغرب، بعضهم بدرجة كبيرة، والبعض بدرجة أقل.
عندما أمضيت بضعة أيام في أنقرة الاسبوع الماضي، فوجئت بمستوى الغضب وخيبة الأمل اللذين يشعر بهما الأتراك تجاه الأمريكيين أولا ثم الأوربيين حتى بين أولئك الذين أعرف أن لديهم أكثر وجهات النظر عقلانية تجاه الغرب.
بعضهم على قناعة بأن ثمة جزءا في المؤسسة الأمريكية العميقة أو بعض الامتدادات أو الأجهزة التابعة للمؤسسة تقف وراء محاولة الانقلاب الفاشل. أما الذين ذهبوا برأيهم أبعد من ذلك في دور الولايات المتحدة في الانقلاب فيشعرون بالغضب والصدمة بسبب رد الفعل الذي تبديه الإدارة الأمريكية تجاه المحاولة الانقلابية أو تجاه الاتهامات التركية بحق فتح الله غولن الذي يقيم في أمريكا.
وإذا كان الأمريكيون الذين سلمتهم الحكومة التركية الملفات عن غولن قد يردون بالقول “إنه نظرا لاختلافات ثقافاتنا الديمقراطية ونهج الحريات الأساسية، فإن الدليل الذي قدمتموه لا يجعل القضية مقنعة من الناحية القانونية” وسيكون ذلك أمر واحد فقط.
لكن هذا كان رد الفعلي الأولي الذي لا ينعكس في الشك بل في الإنكار الحقيقي (أن غولن مسؤول عن الانقلاب) الأمر الذي يغضب الجانب التركي. ويزيد من حدة هذا الغضب تقليل الأمريكيين من التهديدات التي تعرضت لها الديمقراطية التركية.
أما رد الفعل الغربي فكان ينبغي أن يعكس التضامن والتعاطف من حليف. كان ينبغي أن يكون الرد واحدا من:
1- سوف نقدم لكم أي شئ تريدونه بشرط البقاء في حدود سيادة القانون.
2- في أي شئ تفعلونه لا تنأوا بأنفسكم عن سيادة القانون والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
وبعيدا عن ذلك الرد المفترض، فإن ما رأيناه كان غياب التعاطف والتضامن فلماذا؟ هناك عدة عوامل يمكن للمرء أن يفكر فيها: العامل الأول هو الرئيس رجب طيب أردوغان، فنحن نعرف الآن على وجه اليقين أنه مكروه من الغرب.
وثمة عامل آخر هو افتقار الغرب للقيادة الحكيمة. لا يمكن للقيادة السابقة لحلف شمال الأطلسي أن تدع كراهيتها لشخص تضعف رؤيتها لتركيا. القيادة الفقيرة كانت مضرة في الداخل أيضا مثلما رأينا في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ترشح دونالد ترامب لسباق الرئاسة الأمريكية. وهناك عامل إضافي آخر هو شبكة العلاقات التي أقامها فتح الله غولن في العواصم الغربية.
عملت آلة الدعاية الغولنية على خير ما يرام، ولاسيما في أوروبا إلى درجة أننا عندما حاولنا، على سبيل المثال، الحديث عن علامات استفهام حول قضايا قانونية ضد الجيش، لم تجد آراؤنا سوى أذن صماء في العواصم الغربية.
قال لي البروفيسور جوفين ساك في أنقرة إن تنظيم غولن مثل تنظيم غلاديو (منظمة سرية أنشأها حلف الناتو في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية للحرب على الشيوعيين) من بقايا الحرب الباردة، لافتا إلى استراتيجية الاحتواء التي اتبعتها الولايات المتحدة ضد الشيوعيين من خلال وجود حزام أخضر على طول الهلال الإسلامي.
ومثلما كانت حركة غولن على قوائم رواتب بعض العناصر الأجنبية، فليس لدي أدنى شك في أن الحركة نفسها قد قويت شوكتها جدا إلى حد أن بعض العناصر الأجنبية صارت على قوائم رواتبها أيضا.
ولذلك فقد حان الوقت بالنسبة للغرب والولايات المتحدة والعواصم الغربية أيضا للعمل معا على التطهر من روابطها بالعناصر المؤيدة لغولن داخل مؤسساتها الداخلية أو في الجهات غير الرسمية وأن تنأى بنفسها عن الحركة. على هذه الدول أن تعيد تحديد نهجها في هذه المحنة. لكن ذلك لا يعني أن أن تسلم الولايات المتحدة غولن دون تقديم الأدلة أو أن تصمت الدول الأوربية عن انتهاكات حقوق الإنسان، ولكنها تحتاج إلى كسب ثقة تركيا عن طريق التأكيد على أنها تقف إلى جانب تركيا في حربها ضد تنظيم غولن.
وعلى هذه الدول أن تنحي كراهيتها لأردوغان جانبا، فتركيا ليست مجرد أردوغان، والدور التركي في القضايا الإقليمية من الأهمية بمكان بحيث إنها لا تستطيع تحمل استمرار الأزمة التي يغذيها عدم الثقة.
ترك برس