بينما تحكم القيم الأطفال والصبية وتسيرهم وتضبط سلوكهم لا تجد ولن تجد للملالي وجنودهم ما يضبط سلوكهم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صدروه لغيرهم كالعراق ولبنان واليمن وسوريا وغيرها التي قبحوها بجندهم وحضورهم أو من خلال ولاتهم الذين مكنوهم من تلك البلدان، صدروها كثورة لم يعرفوها ولن يدركوا حقيقة معانيها، وهوية فكانت فعلا هوية لعمالهم وجندهم، وكانت ثورة في انعدام الحياء والقيم والدين.
كان الحكم في العراق وطنيا علمانيا لفترة من الزمن ولم تكن صورا من صور الجهالة أو الإخلال بالدين وبالقيم والانتماءات، ولما صدروا إليه ثورتهم وهويتهم من خلال حشدٍ من الإمعات الأميين، والأميين المتعلمين، والمجرمين المحترفين، وإذا نظرت في بعض الأماكن تجد العمائم على مد البصر ويخيل لك أن الأيمان سيغرق الدنيا من حول العراق وليس العراق وحده، وإذا جلست في أحد المجالس الاستعراضية لا تسمع إلا جميل وأعذبه صحيح لغته مهلهلة لكنك تسمع حديثا جميلا وكأنك تجلس في مصنع الآمال والجمال.
وإذا انتقلت من مواقع الاستعراض إلى مكاتب وساحات وجدت ما يثير الاشمئزاز لديك وما تشيب له الولدان وسمعت ما يطرب له إبليس وقوى الشر المستطير، وشعرت أنك واقعٌ في خديعة كبرى ونظرت على البعد فوجدت أن المستقبل مظلم، وأن الهلاك واقع لا محالة لكنك رغم ما أنت من رعب وخوف وألم تحمد الله تعالى أن كشف لك الأمور سريعا سريعا، وغيرك لا يزال غارقا في سحرهم وأوهامهم وخداعهم، وما رأيته لم يكن الأصل بل كان الصورة، فما بالك إن كُتِب عليك ورأيت وعرفت وتعايشت وعشت مع الأصل إنه الجحيم والغي والبغي والضلال بعينه.
أصل الجريمة في طهران الملالي وصورتها في بغداد الميليشيات، والسلطان واحد والنهج والخطاب واحد والمستقبل في ظلهما مظلم معتم، والسكوت على السلطان وولاته الإمعات باطل وخزي لا يليق بـ حُرٍ وكريمٍ نبيل.
لم ولن يدخر نظام الملالي المتسلط على رقاب الشعب الإيراني جريمة إلا وارتكبها بحق المتظاهرين وكان ولا يزال على هذا النهج الإجرامي الدموي القبيح.
أصبح الاغتصاب عقوبة للمتظاهرات في إيران ولربما للمتظاهرين أيضا أمرا طبيعيا ووسيلة من وسائل القمع والانتقام الممنهجة ، والمتوقع من هكذا نظام أن تصدر عنه هكذا جرائم ممنهجة وأكثر، ولا غرابة في ذلك فمن يفتي ليلبس الحق بالباطل دون مخافة الخالق أو حياء أو خجل من مجتمع أو قيم، والسلوك الممنهج لهذا النظام دليل على أن من يحكم إيران والعراق الذي سنأتي على ذكره أيضا جمع من العصابات الوحشية التي لا تمت للإنسانية بصلة، ولم تحظى بتربية سليمة في نشأتها الأولى استنادا إلى ما تمارسه من جرائم وأعمال لا يمكن لبشر سوي أن يرتكبها أو يتقبلها على الإطلاق .
كلمة في العرف العربي تُسمى (العيب) وله مرادفاتها في كافة اللغات خاصة الفارسية، والعيب هو سلوك مرفوض يلبس مرتكبه الخزي والعار وعلى كل من يدرك ذلك أن يستحي من فعله ولا يكرره، ووقع هذه الكلمة ثقيل على المسامع عند المدركين ذوي الإحساس خاصة إذا رافقتها كلمة أخرى في سياق التوبيخ الموجه للشخص الأخر مرتكب هذا (العيب).
عندما كنا صغارا ولا زالت التربية متصلة متواصلة على هذا النهج، كنا إذا سمعنا كبيرا يقول كلمة (عيب)نرتدع وننتهي ونصمت متخوفين مما سيلحق الكلمة من عقاب بعد الزجر.
ولما كبرنا قليلا وكبرت معنا مفاهيمنا ومداركنا والتزاماتنا وجدنا أنه من العار أن يُقال لشخص ما رجل كان أو امرأة كلمة (عيب)، وكنا إذا سمعناها في تلك المرحلة من النضوج وإلى اليوم نهاجم قائلها كيف يقول لنا (عيب) ماذا يظن هل أننا لا نعرف ولا ندرك العيب أو قليلي حياءا وتربية، حتى يُقال لنا عيب ونقيم الدنيا ونقعدها إذا قيل لنا مجرد كلمة (عيب) ونحن أبرياء، وعندما نكون مخطئين وتوجه لنا إدانة بكلمة (عيب) وجعنا وجوهنا في الأرض وهربنا منكسرين باكين.
أما هؤلاء على كبر سنهم وعمائمهم الموضوعة على رؤوسهم فلا حياء ولا ضمير ولا رادع ولا خجل، يغتصبون المتظاهرات المعتقلات منهن واللائي ينفردون بها هاربة من جحيم القمع الدامي لكن هذه الأخيرة يقتلونها ويذهبون إلى حال سبيلهم، ولا يستحون من فعلهم ويقومون بتصويرها متجبرين على المستضعفين وربما يتفاخرون بذلك أمام مسؤوليهم ومراجعهم السلطويين وبين زملائهم، وهنا ترى أصل الجريمة في إيران الملالي، وفي العراق ترى الصورة أي نسخة الجريمة.
وقد تجلى ذلك في حرب داعش التي كان الملالي جزءا هاما من صناعتها، تجلى ذلك بالمناطق المحررة من داعش في اغتصاب النساء وقتل الشباب وتعذيب كبار السن وإهانتهم وتمريغ أنوفهم في التراب وإطلاق شعارات دينية سفيهة لا أساس لها من الصحة بل ومهينة مشوهة للدين أياً كان المعتقد.
في حين أن ذلك لا يحق من الناحية الشرعية حتى مع أسير الحرب وليس مع أناس أبرياء لا ذنب لهم في وجود “داعش” أو خلقها أو تمويلها وما خفي كان أعظم.
أصل الجريمة في طهران ونسخها في أربع دول عربية محتلة، وستنتصر الثورة الإيرانية وستتحرر بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ذلك لأن الباطل لا محالة آفل والحق مشرق مضيء حتى وإن غاب يعود، والحق يعلو ولا يعلا عليه.
مقال رأي / د.محمد الموسوي / كاتب عراقي