في أحد أحياء حلب الشرقية، التي مزقتها الحرب والانقسامات الطائفية، حدثت قصة غيرت نظرة عائلتين متخاصمتين، حين امتدت يد البراءة وسط رماد الكراهية.
كان “ياسر” و”كريم” طفلين في العاشرة من عمرهما، يعيشان في شوارع متقاربة لكن منفصلة بحكم انتماء عائلتيهما لطائفتين مختلفتين. خلال سنوات الحرب، زرعت الكراهية بين الأسرتين بسبب فقدان أفراد منهما في الاشتباكات، ولم يكن مسموحًا للأطفال باللعب مع بعضهم البعض، بل كان كل منهما يسمع روايات مشحونة بالخوف عن “الآخر”.
لكن في شتاء عام 2017، وبينما كان كريم يلعب أمام منزله وسط أنقاض الأبنية، سمع صوت صراخ خافت. اقترب بحذر، ليجد ياسر محاصرًا تحت ركام أحد الجدران المنهارة، وقد علق قدمه تحت حجر كبير. كان الطفل يبكي من الألم، فيما الشارع خالٍ بسبب القصف الذي ضرب المنطقة في الليلة السابقة.
نسي كريم كل ما قيل له عن “العدو”، وركض نحو ياسر محاولًا مساعدته. بدأ يزيل الحجارة الصغيرة بيديه المرتعشتين، لكن الحجر الكبير كان ثقيلًا. عندها، ركض إلى منزله مناديًا والده، الذي صُدم عندما عرف هوية الطفل العالق. تردد الأب لثوانٍ، لكنه في النهاية تبع ابنه وساعده في رفع الحجر عن قدم ياسر، ثم حمله إلى منزله ليتلقى العلاج.
عندما جاءت والدة ياسر، لم تصدق أن ابنها كان في بيت من اعتبرتهم “أعداءً”. للحظات، كان التوتر واضحًا، لكن رؤية دموع الامتنان في عيون ابنها ويد كريم الصغيرة وهي تمسك بيده غيرت كل شيء.
في اليوم التالي، جلس الأبوان معًا لأول مرة منذ سنوات. تحدثا عن خساراتهما، عن الألم المشترك، عن كيف كانت الطفولة ذات يوم بريئة وخالية من هذه الحدود المصطنعة. كان ذلك اللقاء بداية لمصالحة صغيرة، لكنها رمزية، بين عائلتين فرقتهما الحرب وجمعتهما براءة الأطفال.
اليوم، بعد سنوات، لا يزال كريم وياسر صديقين، يلعبان معًا في الشارع ذاته، كأن الحرب لم تكن يومًا.