بضحكات بنات الجيران التي تعلو أصواتها يومياً تصحو الطفلة “أمانة” ابنة الخمس سنوات من سريرها الخشبي، مشاركة فيه أختها الأكبر سناً “حلا” وباتجاه باب المنزل الملاصق لباب الجيران، تمسك بيدها الصغيرة قفل الباب رافعة أصابع قدميها لتطاله وتتلفظ بكلمات عفوية وتقول “جاي.. انتظروني.. رح غسل وجهي وجيب ألعابي”.
لطالما كان التلفاز هو الوسيلة الأكثر تأثيراً على الأطفال كان موعد برامج الأطفال هو الوقت المقدس لديهم فيجلس الطفل ساعات عدة دون ملل، وإن أردت الحديث معه تجد لديه عدم الرغبة بالتجاوب، لكن انقطاع التيار الكهربائي عن المناطق المحررة والتعويض عنها بساعات قليلة باشتراك “الأمبيرات” ساهم بعودة الألعاب البسيطة من جديد كـ “لعبة الجيران”.
يفترشن بأحلامهن الصغيرة التي تكبر رويداً مع أجسادهن الغضة وبصحبة “أمانة” حصيرة بلاستكية صغيرة كانت قد حصلت عليها العائلة من معونة “أممية” بعد نزوحهم من حلب أمام فسحة المنزل حيث تعلو تلك الحصيرة ألعابا بسيطة من دمى صغيرة وبعض أدوات المنزل القديمة البلاستيكية والتي لا تخلو من فناجين القهوة التي تعتمد البنات عليها بلعبتهن، مقلدين الكبار في حياتهم اليومية… مع الحرص على عدم مغادرة المبنى تحسباً من أي مشاكل قد تعترضهن.. وفي بعض الأحيان يلعبن لعبة (القفز على الحبل) ويلجأن لرسم مربعات بالطبشور على الأرض والقفز على رجل واحدة.
تكشف “أم أمانة” السيدة الأربعينية لنا قائلةً “بعد أن دمر البناء الخلفي لمنزلي وأصبح مهجوراً خاليا من روح الحياة فكان مكاناً للتسلية وخصوصاً لعبة (الطميمة) وتربية القطط الصغيرة التي تفرح قلوبنا بحركاتها العفوية، أصبح من الضروري اللعب داخل المبنى وفي الوقت ذاته نراقب تحركات الفتيات وأحاديثهن التي ترغب كل واحدة بالفضفضة عن معاناة وحزن قابع في الداخل، تماماً كما يفعل الكبار”.
عودة الألعاب الشعبية المسلية تمنح فرصة لعودة المتعة لحياة الأطفال التي افتقدوها زمن الحرب في وطننا فهي تشجع الأطفال على الحركة والاختلاط بأقرانهم وتبعدهم عن العزلة والقوقعة على الذات لتشكل منهم شخصيات اجتماعية، يرغب الأهل بتنميتها فقد لوحظ بالآونة الأخيرة ظهور أمراض نفسية انتشرت بين الأطفال جراء حرب مشتعلة كمرض السكري عند الأطفال نتيجة الخوف الشديد من القصف، والتبول اللاإرادي، عداك على أن الأطفال مهما كانت أعمارهم فهم يحبون الضحك واللعب والحركة..
تشعر الصغيرة “أمانة” بألم الجوع الذي بدأ يحرك أمعاءها ناسيةً أنها لم تتناول وجبة الفطور، وقبل أن تطلب الطعام كانت الأم المتابعة بنظراتها عن قرب قد صنعت لفائف الخبز المحشوة بقطع البندورة والنعنع وزيت الزيتون البلدي التي تتباهى به وبمذاقه اللذيذ كونه خلاصة ثمار الأرض التي تشتهر بها مدينتها.
تناولت الفتيات لفائف البندورة والتي تدعى باللهجة المحلية “قضوضات أو عرائس” مع حبات الخيار الطازجة، ضمن ديناميكية اللعبة التي تتطلب المشاركة والتقرب بين العائلات القاطنة في المبنى ذاته أو منازل الحي نفسه.
رغم عدم غياب حديث الحرب والقتل بين ألعاب الأطفال، إلا أن الأمل شعورٌ لا ينمحي بسهولة، وهذا لسان حال الكثيرات أمثال الطفلة “أمانة” وصديقاتها غير أن الأمل والتفاؤل لدى الأهل سيّدا الموقف.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحم