تعددت وسائل الإجرام التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه الأعزل خلال العشر سنوات الماضية، فلم يبقِ لهم أياً من مقومات الحياة ،
فالشعب خرج مطالباً بحريةٍ شعارها كان (الشعب يريد اسقاط النظام)؛ حيث قامت المظاهرات السلمية رفضها النظام وقمعها بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة تحت شعار (الأسد أو نحرق البلد).
الخيار العسكري الذي انتهجه النظام بحق السوريين كان له نصيب الأسد حيث دمر بيوتاهم ومزارعهم وأحرقها وتسبب في تشردهم إلى غير بلدانهم دون عودةٍ مرجوةٍ من جهة ومن جهةٍ ثانية فإن القصف الذي طال أحياءً سكنيةً عدة تسبب الذين نجوا من الموت تحت الأنقاض بإصاباتٍ بالغة ومتوسطة والكثير منهم بترت أحد أطرافه أو بعضاً منها أو أنّه فقد جزءاً من جسده كالعين والأنف.
وكان لتلك الإصابات أثراً نفسياً واضحاً خصوصاً أنهم لم يعد بإمكانهم العودة للحياة الطبيعية .
وتشير الإحصائيات إلى أنّ عشرات الآلاف من السوريين من ذوي الإعاقات يعانون ظروفاً انسانيةً صعبة وقلّة في المراكز التأهيلية المتخصصة.
ومع استمرار القصف والحرب يزيد من عدد المعرضين لخطر البتر في أطرافهم أو أعضائهم في سوريا؛ ومع الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد تعاني هذه الشريحة من الناس ظروفاً معيشيةً صعبة وذلك لأن الإصابات تؤدي الى تدهور في الحالة النفسية وعدم القدرة على التنقل من مكان لآخر وقضاء الحاجات المختلفة ناهيك عن فقدان إمكانية الاعتماد على الذات في معظم نواحي الحياة، يأتي ذلك من خلال نظرة الإشفاق من الأشخاص الطبيعيين و التي تثير فيهم آثاراً نفسيةً شتى خاصةً في بداية حدوث الإصابة الحربية .
ووفقاً للأمم المتحدة فقد بلغ عدد المصابين ببتر الأطراف في سوريا قرابة 90000 شخص يعيش معظمهم في مناطق سيطرة المعارضة، لكن عدد المراكز المتخصصة بصناعة الأطراف قليل جداً قياساً بعدد المصابين وهذا ما يشكل أحد المشاكل التي تواجه هذه الشريحة من الناس .
وكما أن الجسد يقتضي العلاج والمداواة فكذلك الآثار الاجتماعية والنفسية تحتاج إلى معالجة حتى يكتمل مشهد التأهيل ويؤتي ثماره في إعادة تأهيل المصابين إلى حياتهم الطبيعية واندماجهم مع أقرانهم .
فالآثار النفسية التي خلفها القصف لطفل كان يلهو مع زملائه وأقرانه عندما أصيب بشظايا في العينين مما جعله بعد برهةٍ قصيرةٍ فاقداً للبصر إلا أنه أصبح رافضاً لإصابته متمسكاً بطفولته المسلوبة.
ياسمين الطفلة التي تبلغ من العمر 10 أعوام من بلدة حاس أصيبت ببتر في الكعب حيث طال القصف بلدتها مما أجبر والدها على إخراجها على دراجته النارية بسرعةٍ تجاوزت إدراكه أن الدراجة النارية بدأت تأكل من لحمها وعظم رجلها فإصابتها أفقدتها القدرة على الوقوف والمشي ناهيك عن الخوف الذي سيطر عليها فلم يعد بإمكانها المشي مرة أخرى كأي شخص طبيعي إلا باستخدام طرف اصطناعي أو عكازة .
و تأتي ضرورة تأهيل مصابين الحرب صغاراً أو كباراً وإعادة دمجهم في المجتمع ،وعلى نفس السياق فإن هذه الضرورة تحث المصابين على تجاوز إصاباتهم والضرر الذي وقع عليهم بالانخراط في أعمال متنوعة تساعدهم في العودة إلى حياتهم الطبيعية سيما أن المجتمع عليه القيام بالدور المنوط به في عملية التأهيل بشكل فعال ومباشر بالإضافة إلى إرساء وعي عام عن أهميه وضرورة تأهيل المصابين وإعادة دمجهم بالحياة من خلال إنشاء المراكز المعنية بذلك وزيادة عدد المتخصصين والمرشدين النفسيين ودعم كل مصاب بالحرب وتحفيزه للقيام بأي عمل مستطاع كل حسب إصابته؛ فمن أكثر الصعوبات هي إنعدام فرص العمل التي تساعدهم في عودتهم إلى العمل والأمل بالحياة وتراعي أوضاعهم الخاصة ومما يزيد من معاناتهم أكثر غياب الجمعيات والمنظمات التي تدعمهم في مواجهة ظروف الحياة المستقبلية .
بقلم : فداء معراتي