البؤس والشقاء يدقّ ناقوسه في الشمال السوري، حيث يعيش النازحون بين مطرقة التهجير والفقر وسندان البطالة، تداعيات الحرب بمختلف صورها من أمراضٍ وحاجة، فقرٍ .. تمخض عنها ما يسمى بعمالة الأطفال.
فهي كلمة اختصرت صوراً كثيرةً لمعاناة أطفالٍ حول العالم، لطالما يشهد اليوم تداعياتٍ اقتصاديةٍ متفاوتة وهبوطاً حاداً خاصةً في ظل ظهور وانتشار فيروس كورونا بأعدادٍ تشهد ازدياداً دون تناقص بشكل يومي، و في ظل هذا الهبوط يعاني معظم سكان العالم من ارتفاع نسبة البطالة وعمالة الأطفال.
وبتعريف كلمة الطفل نجد أنه مصطلح يطلق على كل شخص لم يتجاوز الثمانية عشرة من عمره و هم الفئة التي يجب أن تكون على مقاعد الدراسة، من جهتها الأمم المتحدة أحصت وبشكل تقريبي عدد هؤلاء الأطفال بأنه يبلغ حوالي 125 مليون طفل يعاني بسبب العمل حول العالم.
أما في الشمال السوري و في زخم الأحداث التي تشهدها الساحة السورية، هناك أكثر من مليوني طفل نزح إلى خارج بلدانهم متوزعين في بلدان الجوار، تاركين خلفهم أحلامهم ورغباتهم في إكمال المراحل الدراسية، إلا أنّ الحياة لم تبتسم لهم و وضعتهم في ظروف وصِفت بالكارثية على جميع الأصعدة، وتشير الإحصائيات إلى أنّ عدد الأطفال تخطى 600 ألف طفل عامل في الأردن و 70% من الأطفال في لبنان و نحو 37 % من الأطفال السوريين يعملون في تركيا و نحو 400 ألف طفل منقطع عن الدراسة.
هذا و تأتي أسباب انخراط الأطفال في سوق العمل هي مشاركة الأهل في تأمين لقمة العيش، بسبب النزوح والفقر والبطالة خصوصاً بسبب إغلاق المدارس بغية الحد من انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي دفع معظم الأطفال للعزوف عن الدراسة و دخول سوق العمل، بالإضافة إلى قلة الوعي لدى بعض الأسر لأهمية التعليم في ظروفٍ حياتيةٍ صعبة يعيشها هؤلاء الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة، والتحقوا بركب المشقة على حدٍّ سواء.
فقد أصبح الطفل منذ نعومة أظفاره الأب و المعيل إما لغياب والده في المعتقلات أو لأنه مصاب حرب أو شهيد أو نتيجة التفكك الأسري و حالات الطلاق.
و مما لا شك فيه أن صور عمالة الأطفال تتجلى في العمل بجميع الحرف كالنجارة و الحدادة ونقل البضائع و إيصالها على العربات، ناهيك عن جمع الخردوات من الشارع أو النفايات غير آبهٍ بالأضرار الصحية و النفسية التي قد تلحق به جرّاء عمله هذا في ظل غياب الرعاية الصحية و الاجتماعية.
في طريقي إلى إدلب، شاهدت ثلاثة أطفال أكبرهم سناً يبلغ من العمر 6 سنوات، يحمل كل منهم كيساً صغيراً يجمع فيه أي من القطع البلاستيكية الملقاة في الشوارع العامة، كما يضع فيه أمله في الحصول على أقل قطعة مالية تبلّغه ثمن الخبز أو حذاء جديد.
و هذا طفل يحمل علبةً كرتونيةً فيها بعض قطع الحلوى مقترباً من الزبائن في محطات المحروقات، مستجدياً منهم شراء أية قطعة منه متحدياً البرد الشديد في الشتاء أو موجات الحرّ الشديد خصوصاً تلك التي تعرض لها الشمال السوري في الأيام الماضية، ليؤمن بعضاً من متطلبات أسرته الفقيرة.
ويشار إلى أن السبب في تفشي ظاهرة عمالة الأطفال هو الأجور القليلة و عدد ساعات أطول بسبب انتشار البطالة بشكل واضح و زيادة الحاجات اليومية.
ما هي الآثار المترتبة من ظهور عمالة الأطفال
مع تفاقم أزمة كورونا و تفجر الوضع المعيشي و تردي الوضع الإنساني والخدمي والصحي، الأمر الذي دعا لتخوف أمميّ من تفشي هذه الظاهرة وخطورة تأثيرها على مستقبل الأطفال، تم إحصاء في الشمال السوري بين كل ثلاثة أطفال هناك طفل يعمل و معيل لأسرته؛ فانقطاع الطفل عن الدراسة و استبداله بالتعليم عن بعد، من شأنه أن يخلق فراغاً داخل الطفل فيدفعه للانخراط في سوق العمل خاصة في حالة الفقر والحاجة والغلاء الذي تشهده أسعار المواد بالإضافة إلى تدني جودة التعليم.
صمت أممي و غياب لدور المنظمات الإنسانية في حماية الأطفال و تحديد المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل، جراء عمله من الابتزاز والتحرش الجنسي والانتهاكات، ناهيك عن الأخطار عند جمع الخردوات من الأماكن العامة أو الحاويات، فقد يتعرض الطفل لخطر الموت نتيجه ملامسته لمخلفات الحرب التي ربما تحوي على موادٍ متفجرةٍ أو كيماويةٍ، أو من خلال الأعمال التي يقوم بها بأدوات الحرف المختلفة كالحدادة و النجارة، مما قد يتسبب بأذية جسدية واضحة نتيجة قلة وعيه و إدراكه لمخاطر عمله ذاك.
عمالة الأطفال تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في ظل غياب دور المنظمات الإنسانية والحقوقية التي ترعى حقوق الطفل وخاصه التعليم وحقه في تأمين مستقبل أفضل، و مناشدات إنسانية للحد من انتشار هذه الظاهرة التي تؤثر بالدرجة الأولى على شخصية الأطفال ومستقبلهم و الإسراع بالحلول الإسعافية لإنقاذ طفولة أبناء الشمال السوري من السقوط في الهاوية.
بقلم : فداء خالد المعراتي