لم يكن المتعاطفون مع قضايا اللاجئين، من المتحمسين لتولي تيريزا ماي رئاسة الحكومة في بريطانيا، لا سيما أن سجلها على رأس وزارة الداخلية خلال السنوات الماضية لا يشير إلا لتوجهات سلبية تجاه اللاجئين، بل إنها كانت ترفض أي سياسات حكومية مرنة لقبول اللاجئين السوريين، وحتى الأطفال منهم.
في هذا السياق، تزايدت مخاوف منظمات حقوق الإنسان والهيئات الإنسانية الناشطة في إغاثة اللاجئين، بعد ساعات قليلة من تولي الرئيسة الجديدة لمهامها، إذ عمدت “بصمت” إلى إلغاء منصب “وزير اللاجئين السوريين”، الذي استحدثه، رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون العام الماضي، وأعلن عنه خلال زيارته مخيماً للاجئين السوريين في لبنان. كما عيّن في هذا الإطار، النائب ريتشارد هارينغتون مساعداً لوزير الخارجية لشؤون اللاجئين، ومسؤولاً عن تنسيق العمل داخل الحكومة، لإعادة إيواء ما يصل إلى نحو 20 ألف لاجئ سوري في بريطانيا، كما سلّمه مسؤولية تنسيق المساعدة الحكومية للاجئين السوريين في المنطقة.
وكان هارينغتون من بين الرؤوس التي أبعدتها رئيسة الوزراء الجديدة من مقرّ الحكومة، إذ أحالته لمنصب إداري في وزارة العمل والتقاعد، على أساس أن مهامه المُتعلقة بملف اللاجئين السوريين ستحال إلى وزارة الداخلية، التي تُدخل قضايا اللاجئين في صلب عملها.
ووصف سياسيون وإعلاميون وحقوقيون بريطانيون، قرار إلغاء منصب “وزير اللاجئين السوريين”، بـ”المخزي تماماً”. واعتبر زعيم الحزب “الليبرالي الديمقراطي”، تيم فارون، أن “هذا القرار يُظهر أن حكومة تيريزا ماي تقول ولا تفعل، عندما يتعلق الأمر بنهج سياسات أكثر تعاطفاً مع أزمة اللاجئين”. أما النائبة عن حزب المحافظين، هايدي آلن، فوصفت الخطوة بـ”بداية غير عظيمة بالنسبة لماي، لأنه سيكون من العار خسارة العمل الدؤوب الذي حققه المحافظون، ويجب للأفعال أن تعلو على الكلمات، في مسألة اللاجئين”.
وبينما ظهر زعيم “الليبرالي الديمقراطي” أكثر تشاؤماً من إمكانية المزيد من السياسات المُتشددة للحكومة الجديدة تجاه اللاجئين، فـ”القرار الأخير أظهر أنّ اللاجئين قد يعاملون بطريقة أسوأ من تلك التي عوملوا بها تحت قيادة كاميرون. ويبدو أنّ مصيرهم ومصير الملايين الآخرين من اللاجئين الضعفاء والباحثين عن المأوى والأمان سيكون حتى أسوأ، تحت قيادة ماي”.
بدوره، أكد وزير الداخلية في حكومة الظلّ العمالية، أندي بورنهام، أن “إلغاء منصب وزير اللاجئين السوريين، يبرهن شكّنا الدائم في التزام تيريزا ماي بمعالجة أزمة اللاجئين، لأن قضية بهذا الحجم تحتاج الى وزير متفرّغ”.
كما اعتبرت رئيسة فريق العمل للاجئين في حزب “العمل”، النائبة إيفيت كوبر، أن “إلغاء منصب وزير اللاجئين السوريين، سيجعل من الأصعب الإيفاء بالتعهّدات التي قطعتها بريطانيا لمساعدة اللاجئين الفارين من الصراع والاضطهاد، تحديداً الأطفال اللاجئين، المعرّضين أكثر من غيرهم لمخاطر الاتجار والاستغلال والعبودية”. لكن كوبر لم تكن متفاجئة بقرار إبعاد هارينغتون، وإلغاء مهمته الوزارية، ذلك لأن تيريزا ماي التي عارضت في السابق استقبال 3000 من الأطفال اللاجئين، “لم تكن متعاونة معه عندما كانت وزيرة للداخلية، وطالما حاولت عرقلة مهمته”، كما تقول كوبر.
ومهما حاولت السلطات البريطانية، الدفاع عن قرار ماي، واعتبار أن منصب وزير “اللاجئين السوريين” كان مؤقتاً، وأن “وزيراً في وزارة الداخلية سيستمر في العمل على مساعدة النازحين”، إلا أنه في العودة إلى سجل تيريزا ماي، تبدو مخاوف البعض من تراجع دور بريطانيا في ملف اللاجئين عامة، والسوريين خصوصاً، مُبررة. فلطالما تبنّت ماي سياسة صارمة ضد الهجرة واللاجئين، وقد جاهرت عندما كانت وزيرةً للداخلية بأن “الهجرة تعرقل بنية المجتمع وتماسكه”، واعتبرت أن “اللاجئين تسببوا في طرد الكثير من البريطانيين من سوق العمل وتحويلهم الى عاطلين”. وطالما كانت ماي من المتحمسين لضرورة ضبط الحدود، وإصلاح قوانين الهجرة، ولم تتوان عن اتخاذ أي إجراء يردع للحد من تدفق المهاجرين إلى بريطانيا، وهو ما يدفع الكثير الى القلق تجاه سياستها المستقبلية كرئيسة وزراء.
العربي الجديد