بعض الموتى يُدفنون في الحدائق العامة أو حدائق المنازل الخالية. وتقديرات أعداد الموتى تتباين كثيرا. وسكان المدينة لا يشكّون في الحجم الكبير للضحايا. وبالمستشفيات من كانت إصاباتهم خطرة أو فقدوا كثيرا من أطرافهم، يُتركون ليموتوا حتى يتم إسعاف من يعانون إصابات خفيفة.
هذا مما أوردته صحيفة تايمز البريطانية التي نشرت هي وغارديان اليوم تقارير عن الحياة تحت الحصار والقصف والموت المستمرة في حلب، مضيفة أنه وفي كل يوم يفقد أحد الأشخاص صديقا أو شقيقا أو جارا أو زميلا أو بائعا اعتاد أن يشتري منه.
وقال فني غرف العمليات الجراحية أحمد محمد إنه أصبح يحضر زوجته معه كل يوم إلى المستشفى الذي يعمل به وهي رحلة مسافتها عشرة أميال بدلا من تركها بالمنزل لقسوة القنابل.
لحظات غالية
“عندما لا نسمع صوت الطائرات نبدأ بالانتقال مسرعي الخطى وسط المباني من شارع لشارع ومن حي لحي. اللحظات التي تغادر فيها الطائرات السماء غالية للغاية بالنسبة لنا، وعندما نصل إلى المستشفى نشعر بأننا وُلدنا من جديد”.
“في كل يوم يفقد أحد الأشخاص صديقا أو شقيقا أو جارا أو زميلا أو بائعا اعتاد أن يشتري منه”
أما المواطن الحلبي الحمدو فيقول إنه وخلال الأربع سنوات الماضية لم ينم أكثر من ساعتين مستمرتين، وفي الأسبوع الماضي انخفض ذلك كثيرا خاصة بين الثالثة والرابعة صباحا حيث يكون القصف في ذروته.
ويضيف أنه وفور استيقاظه من النوم يفتح هاتفه ويبحث عما حدث الليلة الماضية، ويرسل رسائل متطابقة إلى الأصدقاء “هل أنتم بخير؟ هل ما زلتم على قيد الحياة؟”، وعندما يسمع بأن أحد الأحياء قد قُصف ولا يستطيع الاتصال بصديق له به، يذهب إليه مشيا على الأقدام للتأكد من أنه لا يزال حيا.
سلاح نفسي
“أخبر العالم بأننا نموت” هكذا طلب منه أحد الأطباء. وقال إن القنابل الخارقة للتحصينات هي ليست مجرد قنابل، إنها سلاح نفسي يرسل رسائل تقول لك إنك ستموت، “لا مهرب من ذلك”.
لون الدم قالت الصحيفة إن الحياة بالمدينة أصبحت صنوا للدمار والموت وقنابل البراميل وخارقات التحصينات والمستشفيات المحطمة. وأصبحت الحياة بالنسبة للأطباء وعمال الإنقاذ المنهمكين على مدار الساعة في إنقاذ الأرواح، تأخذ لون الدم والموت واليأس. |
“عندما تأتي الطائرات فوق الرؤوس يهرع الناس إلى أقبية المنازل، حيث يبدأ الأطفال والنساء في الصراخ والبكاء، ويعتري الرجال الخوف”
في حلب يحرص الناس على تأمين الوقود الذي تعمل به مولدات الكهرباء، ليس للمستشفيات فقط، بل لشحن هواتفهم وأجهزة حواسيبهم بالطاقة للتواصل بالإنترنت مع العالم الخارجي.
قالت عفراء هاشم هناك مصاعب جمة، “لا أستطيع أن أحكي لك عن شعوري عندما يقول طفلي إنه جائع ولا يكون لديّ طعام أعطيه إياه”.
عالم الأطفال
الأطفال يتذكرون أصدقاءهم الذين غادروا سوريا أو قُتلوا، أو أقاربهم في الخارج، يصممون دمى لهم من الورق ليتحدثوا إليهم وكأنهم موجودون بينهم. وقالت عفراء “سمعت أطفالي يتحدثون عن حياتهم لأصدقائهم أو أقاربهم الذين صمموهم بالورق”.
وطلبت عفراء من غارديان أن تطالب المجتمع الدولي بألا يرسل طعاما، بل أن يمنع النظام السوري من قتلهم.
وقال حلبي آخر إن أفضل الأصوات التي يستمتع بها في الصباح هو صوت مولد الكهرباء لدى الجيران عندما يتم تشغيله لمدة ساعتين “نجتمع كلنا لشحن هواتفنا وبطاريات حواسيبنا وتداول أخبار حلب والقصف الذي جرى الليلة المنصرمة خلال احتسائنا الشاي”.
“وعندما أعود إلى المنزل، أجد الأطفال قد استيقظوا. قال لي أحدهم أمس فور أن فتح عينيه بعد النوم، الحمد لله أننا لا نزال أحياء”.
عندما تأتي الطائرات فوق الرؤوس، يهرع الناس إلى أقبية المنازل، حيث يبدأ الأطفال والنساء في الصراخ والبكاء، ويعتري الرجال الخوف، خاصة بعد استخدام القنابل الخارقة للتحصينات. وقال أحدهم “نشعر وكأننا ننتظر الموت”، مضيفا أن الرجال يحاولون تهدئة الأطفال والنساء، رغم أنهم (أي الرجال) ممتلئون بخوف مكتوم.
الجزيرة نت