ذاق السوريون مرارة اللجوء ومخاوفها، متطلعينَ لغدٍ أفضل، وفارين من آلةِ القتلِ التي لا ترحم.
“سعيد” شاب من ريف إدلب، قرر الهجرة إلى ألمانيا، طامحاً بالأمانِ ولمستقبل وردي.
“قررتُ الهجرة صحبةَ زوجتي وابنتي الصغيرة مايا، فالوضع هنا لم يعد يطاق، وآلة القتل لا ترحم”.
بدأت رحلتنا مع بداية العامِ 2017، حيث كان علينا اجتياز العقبة الأولى وهي الحدود السورية التركية.
كنت قد اتصلت مع مهربٍ واتفقنا على الطريقِ والتكلفة ، 400 دولار أمريكي عن كل شخص.
بدأنا السيرَ ليلاً في الأحراش المظلمة، نخاف الطريق، وحرس الحدود، أمسك طفلتي وزوجتي بيدي ونمشي بخوف ورعب، حتى بدا لنا النور، ووصلنا قرب مدينة الريحانية التركية.
لم نصدق أننا وصلنا، واستطعنا اجتياز الحدود، بعد أربع محاولات فاشلة، وصلنا نحو منزلنا المؤقت، وأنهك التعب أجسادنا وأرهق أعصابنا التالفة،
استمرت رحلة “سعيد” سبعون يوماً وليلة، ذاق فيها بصحبة زوجته وطفلته شتى أنواع الخوف والقلق.
رحلة البحر أكبر المخاوف
” لقد ارتحنا أسبوعاً تقريباً، يكفي ذلك، علينا مواصلة المسير نحو اليونان واجتياز البحر -لكنني أخاف البحرَ-، ألم ترَ ماذا حدث من كوارث مع من حاول ركوب البلم واجتياز البحر؟”
لكن يا عزيزتي لا نملك أيّة خيارات، وبدأنا بطريق لابد من مواصلته.
هكذا بدأ الجزء الأصعب في رحلة اللجوء تلك، الذي يهابه الجميع لخطورته، فتجار البشر يحمّلون الزوارق فوق استطاعتها.
“سنجتازها يا عزيزتي، لديَّ إيمانٌ بذلك فقط ثقي بالله وتوكلي عليه”.
“انطلقنا مع المغرب، كنا قرابة العشرين شخصاً، نركب قارباً مطاطياً زرع في قلوبنا الذعر قبل أن نستقله!”
“ارتدينا “سُتر النجاة” عساها تساعدنا قليلاً في حال الغرق.
كان المركب يترنحُ يمنةً ويسرة، وقلوبنا تتهاوى معه من شدة الرعب، أما صراخ الأطفال والنساء فكان سبباً أيضاً في زيادة التوتر.
لم يطل الأمر كثيراً، حتى ظهرَ النور من على السواحل اليونانية، ما ترك ذلك طمأنينةً في النفوس.
كان خوفنا كبير من أن ترانا القوات اليونانية وتحتجزنا في المخيمات لكن قدر الله ان نصل بأمان”.
رحلة السبعين يوماً تتكلل بالأمان
أشعر بالتعب يا سعيد، اشتقت لمنزلنا وللجلوس تحت شجرة التوت.
هههه ما بالك يا عزيزتي، لم نصل بعد، وأمامنا طريق شاق، كيف اشتقت للمنزل بهذه السرعة؟
لقد اشتقت له قبل أن نخرج، وسأبقى أذكره ما حييت.
ربما ستبقى ذكريات فقط ولا نعود مجدداً لذلك المنزل، ربما ينتهي بنا الحال وندفن في بلاد الغربة والمهجر.
قطع سعيد وعائلته الطرق التي كانت تخيفهم، الحدود التركية والبحر، بدأ الاطمئنان يدخل قلوبهم قليلاً، لكن مازالت هناك معوقات، ومصاريف كثيرة للوصول.
علينا التجهز للرحيل، ارتحنا بما فيه الكفاية، فالمهرّب اعطانا وقتا محدداً للمسير.
مشينا نحمل أمتعتنا الخفيفة وآمالنا الكبيرة للمستقبل الأفضل وتبديل الحال، قاطعين حدوداً وغابات، ومخاوف كثيرة، لكن وبعد سبعين يوماً من التنقل بين الدول والتعب، وصلنا ألمانيا بخير.
إبراهيم الخطيب