دخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض عام 2009، على وعدٍ بكبح جماح الاستخدام المطلق للقوة العسكرية في الخارج والذي تميز به الرئيس السابق جورج بوش. لكنه بدلاً من تقويض السلطات التي مارسها الرئيس جورج بوش، توسّع في بعض برامج الأمن القومي الأكثر إثارة للجدل، ومنها برنامج الطائرات بدون طيار Drones، كما شنّ الحروب بدون تصريحٍ خاص من الكونغرس.
رغم أن هناك حالات عكس فيها أوباما سياسات عهد بوش، يقول النقاد إنّه فعلها بشفافية ومحاسبة ضئيلة. وضع أوباما سابقة للقائد العسكري القادم تسمح له بممارسة سلطة أحادية أكبر في استخدام القوة. وفي خلال شهرين، سيسلّم أوباما جهازاً تنفيذياً واسع السلطات إلى دونالد ترامب، رجلٌ وصفه أوباما نفسه بأنه يفتقر إلى الخبرة، والقيم اللازمة لقيادة البلاد، وفق ماجاء بالنسخة الأميركية لـ هافينغتون بوست.
هذه بعض الطرق التي وسّع بها أوباما الامتيازات الرئاسية لشن الحروب:
الطائرات بدون طيار Drones
جزء رئيسي من حرب إدارة بوش على “الإرهاب” تضمّن استخدام طائرات دون طيار مزودة بصواريخ “هيلفاير” لتقتل الأعداء المشتبه بهم في صمت دون الحاجة إلى الدخول في حرب رسمية مع الدولة التي تؤويهم. ورّث أوباما هذه القدرة وتوسع في استخدامها توسّعاً هائلاً خلال فترته الرئاسية الأولى.
وعندما بدا أن أوباما ربّما يخسر الانتخابات الثانية في 2012، حاول البيت الأبيض وضع قوانين حاكمة لاستخدام الطائرات بدون طيار في قتل الأهداف الخارجية، وفقاً لنيويورك تايمز. إذ خاف المسؤولون من استخدام خليفة أوباما الجمهوري المحتمل من استخدام السلطات الكاسحة التي تمكنه من قتل المشتبه بهم في الخارج بناءً على تقديرات الرئيس الشخصية السرية بشأن من يمكن اعتبارهم هدفاً مشروعاً. فقد المشروع حس العُجالة عندما أعيد انتخاب أوباما، لكن البيت الأبيض انتهى بالفعل من وضع إرشادات سرية لاستخدام هجمات الطائرات القاتلة في مايو/أيار 2013. بعدها أصدرت الإدارة نسخة محررة من الإرشادات في وقتٍ مبكر من العام الحالي، بعد دعوة قضائية مستندة إلى قانون حرية تداول المعلومات رفعها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية.
لا تتطلب القواعد سوى “الاقتراب من التيقن” بأن الهدف المطلوب موجود في موقع الضربة، وأن الهدف لا يمكن القبض عليه بأي وسيلة أخرى، وأن الأبرياء لن يتعرضوا للإصابات أو القتل. “الاقتراب من اليقين”، بالطبع، هو مصطلح ذاتي غير موضوعي، وبدون رقابة من الكونغرس أو رقابة قضائية ذات معنى للعملية، يعتبر الأمر متروكاً للجهاز التنفيذي ليتخذ القرار خلف الأبواب المغلقة.
تأمل إدارة أوباما في أن إرشادات 2013 ستضع معايير في الطريق، لكنها سياسة عمل وليست قانوناً، وبالتالي لن يكون ترامب ملزماً بالالتزام بها. وحتى إن انصاع ترامب لها، فإن صياغتها غامضة بما يكفي لإلغاء أي أثر عملي لها في تقييد قدرته على قتل الإرهابيين في الخارج. الأكثر من ذلك أن إدارة أوباما أشارت إلى أنها لا تخطط لتضييق القواعد المنظمة لعمليات القتل والاستهداف قبل مغادرتها البيت الأبيض، وفقاً لما نقلته صحيفة الغارديان يوم الثلاثاء.
قال جميل جعفر، مدير معهد التعديل الدستوري الأول التابع لمؤسسة نايت بجامعة كولومبيا، والذي ألف كتاباً حول التبرير القانوني من قِبل إدارة أوباما لبرنامج القتل المستهدِف، إن الإرشادات “مليئة بالألفاظ الغامضة والثغرات”. مضيفاً إن “ترامب سيرث سلطة كاسحة تمكنه من استخدام القوة بالقانون ضد الأشخاص الذين يراهم تهديداً للولايات المتحدة”.
وقد وضع ترامب أيضاً مقاييس منخفضة لكشف المعلومات بشأن المدنيين المقتولين في الغارات الجوية التي تشنها الولايات المتّحدة. رفضت الإدارة الإعلان عن أرقام الأبرياء المقتولين في هجماتٍ في الدول غير المتحاربة مع الولايات المتّحدة حتى يوليو/تموز 2016. يقول البيت الأبيض إن 64 إلى 116 مدنياً قتلوا منذ عام 2009، في هجمات جوية في باكستان، واليمن، والصومال، وليبيا. ويقول مكتب الصحافة الاستقصائية، المنظمة الإخبارية غير الهادفة للربح ومقرها في لندن، والذي يراقب الهجمات الجوية الأميركية عن كثب، إن عدد ضحايا المدنيين في هذه البلاد يقع على الأرجح بين 380 و801، استناداً إلى تقارير من صحفيين ومحققين تابعين لمنظمات غير حكومية، بالإضافة إلى مستندات حكومية مسرّبة وأوراق قضائية.
فيما يقول جعفر إن بعض اللوم يقع على الكونغرس والقضاء، بسبب فشلهما في مراقبة برنامج الدرونز. ويضيف “إنها ليست مهمة الجهاز التنفيذي أن يراقب نفسه”.
تصريحٌ قديمٌ بالحرب
أشرف أوباما على عمليات قصف جوي في أفغانستان، وباكستان، واليمن، والصومال، وليبيا، والعراق وسوريا. في كل بلدٍ، اعتمدت الإدارة جزئياً على تشريعٍ مرره الكونغرس في 2001 يصرّح باستخدام القوة ضد من خططوا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. كلمات هذا التصريح كانت غامضة -فهي لم تحدد بلداً معيناً أو إطاراً زمنياً- وقد قدّم المحامون بإدارة أوباما تبريراً قانونياً معقداً يدافع عن استخدام التصريح في بلدان لم يفكّر فيها الكونغرس أبداً في 2001. وهذا يعني أن أي رئيس مستقبلي يمكنه أن يستمر في الاعتماد على قانونٍ عمره 15 عاماً لشن حروب جديدة في المزيد من البلدان بدون انتظار موافقة الكونغرس.
هناك شبه إجماع على أنّ إذن استخدام القوة العسكرية الممنوح من الكونغرس لم يعد ساري المفعول. إنّها “مبالغة” أن يُستخدم الإذن في التبرير القانوني للحرب الحالية على ما يُعرف بالدولة الإسلامية، وفقاً لعدة خبراء قانونيين بالأمن القومي. تقول هينا الشامسي، رئيسة مشروع الأمن القومي بالاتحاد الأميركي للحريات المدنية “الطرق التي استُدعي بها الإذن تُعتبر تمادياً في القانون إلى أقصى درجة”.
طلب أوباما من الكونغرس تمرير إذنٍ جديد لاستخدام القوة العسكرية، مفصّل على مقاس الحرب ضد داعش، بعد أن كان قد بدأ بالفعل في قصف التنظيم في العراق وسوريا. تَنَاقش المشرعون لفترةٍ قصيرة بشأن تصريح جديد بالحرب، لكنهم انقسموا حول مدى التقييد أو السماح الذي يجب أن يكون القانون الجديد عليه، وتركوا الأمر برمته في النهاية. ولم يكن هناك الكثير من الضغط على المشرعين للمخاطرة بتصويتٍ خطِرٍ سياسياً، إذ أظهرت إدارة أوباما أنّها ستقاتل داعش بتصريح الكونغرس أو بدونه.
ماثيو واكسمان، مسؤول سابق بإدارة بوش، قال “فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية في الخارج، كان أوباما أحادي القرار أكثر من بوش”.
والكونغرس بالطبع يتحمّل الكثير من اللوم – لكن بغض النظر عن المسؤول، فإن الاعتمادية المبالغ فيها على إذن استخدام القوة العسكرية الصادر في 2001 يضع سابقة لإدارة ترامب تمكنها اتخاذ قرارات بشأن متى وأين تذهب أميركا إلى الحرب، بقليلٍ من المشاركة من الجهات التشريعية.
التعذيب
وقّع أوباما أمراً تنفيذياً يجرّم التعذيب بعد دخوله البيت الأبيض مباشرة، ثمّ عمِل مع الكونغرس لتمرير تشريع مناهض للتعذيب. لكن الرئيس قال إنه يريد أيضاً أن “ينظر إلى الأمام بدلاً من النظر إلى الخلف”، ولم يُعاقب أي من مسؤولي برنامج التعذيب في إدارة بوش.
وقد عين النائب العام حينها إيريك هولدر مدعياً عاماً ليحقق في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية، لكن المحقق نصح بعدم توجيه اتهامات. وبقيت نتائج التحقيقات سراً.
كما باشرت اللجنة الاستخباراتية بمجلس الشيوخ مراجعتها الخاصة المفصلة لبرنامج التعذيب، وانحاز البيت الأبيض إلى وكالة الاستخبارات في بعض الأحيان لإبقاء هذا التحقيق بدوره سراً. في بعض الأحيان، ضغطت إدارة أوباما على محققي مجلس الشيوخ لتحرير بعض الأجزاء التي تُعطي انطباعاً سيئاً عن الحكومة، وفقاً لما نقلته صحيفة الغارديان في سبتمبر/أيلول.
في غضون ذلك، نشر مجلس الشيوخ ملخصاً محرراً لنتائج التحقيق في 2014، كشف أن تقنيات “الاستجواب” الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية كانت أكثر بشاعة بكثير مما اعترفوا بها، وأن وكالة التجسس خدعت البيت الأبيض بشأن فعالية استخدام التعذيب في الحصول على المعلومات. تعرض المحتجزون للضرب، والاغتصاب الشرجي، والإيهام بالغرق، والتهديد بمثقاب كهربائي، والحرمان من النوم والحبس في صناديق بحجم التابوت. وفي إحدى الحالات، هدد المحقق أحد المحتجزين بالاعتداء جنسياً على والدته.
وفي المقابل، ضغط الاتحاد الأميركي للحريات المدنية على إدارة أوباما من أجل فتح تحقيق إجرامي في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية، استناداً إلى نتائج تحقيق لجنة مجلس الشيوخ، لكن الإدارة تجاهلت الطلب.
وبعد عام، بدأ ترامب في تقديم وعود انتخابية بأن يعيد الإيهام بالغرق “وأشياء أسوأ بكثير”. في فعالية انتخابية في شهر فبراير/شباط الماضي، قال إن “التعذيب ينجح”.
يشكك البعض في أن أي رئيس يُمكنه إجبار تابعيه على إعادة تقنيات مثل الإيهام بالغرق. إذ يقول واكسمان “سيُقاوم الجيش ووكالات الاستخبارات الأمر. أتوقع أن أي من المحامين التابعين للإدارة سيكون حذراً جداً بشأن المسؤولية الإجرامية المتمثلة في إعادة تطبيق مثل هذه التقنيات”.
في الوقت نفسه، تقول هينا الشمسي إنّ إدارة بوش لو كانت قد تعرضت للمحاسبة على استخدامها للتعذيب، لانخفضت بشدة احتمالات أن يعد مرشح رئاسي بإعادة استخدام وسائل التعذيب مرة أخرى.
إن حاول ترامب فعلاً إعادة استخدام وسائل التعذيب، سيواجه معارضة شديدة من الحكومة الداخلية ومن مراقبي الحريات المدنية.
تضيف شمسي قائلة “تظل الحقيقة إن التعذيب كان دائماً غير قانوني، وما زال غير قانوني. لن تُغير أي محاولات للمناورة القانونية مهما كثرت من هذه الحقيقة”.
هافينغتون بوست