على بساط من القش، كنا نلتف حول المعلم في الكتّاب على شكل حلقة، تارة نردد خلفه شفهياً، وتارة أخرى نخط ما حفظناه ألواحنا الخشبية، أما عن تعلم الحساب فكان المعلم يحضر عدداً من نوى التمر ليعملنا بها الحساب”، هكذا يروي عبد الله (اسم مستعار) الذي ناهز الثمانين من عمره تفاصيل يستعيدها من الماضي الجميل حسب وصفه.
تعود أصول الكتاتيب لأقدم العصور إذ عرفت الكتاتيب في عصر الفراعنة ب “مدارس المعابد”، ثم عرفت في العصر المسيحي حيث كانت تعلم طلابها الكتاب المقدس، ثم العصر الإسلامي حيث كان الطالب يلتحق بالكتّاب بعمر 3 سنوات، إذ يتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم والسنة النبوية والحساب، وكان الدوام يبدأ بشروق الشمس وينتهي بعد العصر ويستثنى أيام البرد الشديد أو الحر والأعياد .
يتابع ” عبدالله ” مسترسلاً بعد دقائق من الصمت وكأنه سافر عبر الزمن ليعود طفلاً ويستعيد صوراً ومواصفات لمعلمه، كان هدف المعلم الأسمى في حياته هو توريث ما اكتنزه من علمٍ ومعرفة لطلابه وتربيتهم وتأديبهم أحسن التربية، والتأديب فقد كان المربي وولي الأمر وله أولوية في جميع تفاصيل حياة الطالب.
وكان المعلم مقدساً عند الجميع، رغم أنه غالباً ما يكون فقيراً وذلك خلاف طبيعة التعليم حديثاً، إذ أن المعلم غالباً ما يكون هدفه المال، فلا يبالي بالطلاب إن تعلموا أم لا، وهو غير مسؤول عن تأديبهم وتربيتهم وكثيراً ما حدث أن يهمل المعلم طلابه أشد الإهمال، ليجبرهم على التسجيل لتلقي دروساً خاصة، ولم يعد المعلم كسابق عهد مقدساً ومحترماً لدى الجميع.
ورغم بعض إيجابيات التعليم قديماً إلا أن له الكثير من السلبيات لم يذكرها عبد الله، إذ كان التعليم يكلف الكثير من الجهد والمال، ويقتصر على ابناء الأغنياء وأصحاب المناصب فكان الطلاب يتلقون تعليم المرحلة الأولى فقط ثم يضطرون للسفر لإكمال تعليمهم ومع صعوبة السفر وعدم وجود وسائل مواصلات آنذاك، لم يكن أمر إكمال التعليم سهلاً مما جعله حلماً للفقراء، وذلك بخلاف التعليم حديثاً فالتعليم حديثاً أتاح للطلاب الكثير من الوسائل لتلقي العلم بدون جهد كبير وهو متوفر للغني والفقير .
قد يظن البعض أن كل ما نشهده من تطور وتكنولوجيا قد غزا العالم بأسره، إلا أن بعض المناطق في دول أفريقيا ومناطق أخرى حول العالم رواية أخرى، فمازالت طرق ووسائل التعليم قديماً موجودة حتى وقتنا الحالي في تلك المناطق، لدرجة أنهم لم يعرفوا الأقلام والأوراق بعد، ويتلقون التعليم شفهياً ومازلوا يستخدمون الريش للكتابة بالحبر على ألواح خشبية .
بقلم : سدرة المنتهى